اسم الکتاب : الزاهر في معاني كلمات الناس المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 128
ويروى عن الأصمعي أنه قال: المسكين أحسن حالاً من الفقير. وبذلك كان أبو جعفر أحمد بن عُبَيد يقول. وهو القول الصحيح عندنا؛ لأن الله تعالى (50 / ب) قال: {أمّا السفينةُ فكانت لمساكين يعملون / في البحر فأَرَدْتُ أنْ أَعِيبَها} [204] ، فأخبر أن للمساكين [205] سفينة من سفن البحر، وهي تساوي جملة من المال. وقال تعالى: {للفقراءِ الذين أُحْصِروا في سبيلِ اللهِ لا يستطيعونَ ضَرْباً في الأرض يحسبُهُمُ الجاهلُ أغنياءَ من التعفُّفِ تعرِفُهُم بسيماهُم لا يسألونَ الناسَ إلحافاً} [206] فهذه الحال التي أخبر بها - تبارك وتعالى - عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين.
والذي احتج به يونس من أنه قال لأعرابي: أَفقيرٌ أنت؟ فقال: لا واللهِ، (226) بل مسكينٌ، يجوز أن يكون أراد: لا والله، بل أنا أحسن حالاً من الفقير. والبيت الذي احتج به ليست له فيه حجة [207] ، لأن المعنى: كانت لهذا الفقير حلوبة فيما مضى، وليست له في هذا الحال حلوبة.
والفقير معناه في كلام العرب: المفقور الذي نُزِعَتِ فِقَره من ظهره، فانقطع صُلْبُهُ من شِدَّة الفَقْر. فلا حال هي أوكد من هذه. قال الشاعر [208] :
(لما رأى لُبَدُ النسورَ تطايَرَتْ ... رَفَعَ القوادِم كالفقيرِ الأَعْزَلِ)
أي: لم يطق الطيران، فصار بمنزلة من انقطع صُلْبه.
والدليل على هذا قول الله عز وجل: {أو مسكيناً ذا مَتْربةٍ} [209] معناه: أو مسكيناً لصق بالتراب من شدة الفقر. فلما نعته - عز وجل - بهذا النعت، علمنا أنه ليس كل مسكين على هذه الصفة. ألا ترى أنك إذا قلت: اشتريت ثوباً ذا [204] الكهف 79. و (فأردت أن أعيبها) . ساقط من ك، ق، ف. [205] ك: للمسكين. [206] البقرة 173. [207] ك: له بحجة. [208] لبيد، ديوانه 274. [209] البلد 16.
اسم الکتاب : الزاهر في معاني كلمات الناس المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 128