اسم الکتاب : علم اللغة مقدمة للقارئ العربي المؤلف : السعران، محمود الجزء : 1 صفحة : 169
الباب الثالث: النحو
نحن نفكر بجمل
...
1- نحن نفكر بجمل:
1- لا تجري اللغات جميعا على منوال واحد في "تأليف" الألفاظ أو "تركيبها" للتعبير عن "معنى" أو "دلالة" من المعاني أو الدلالات: إن لكل لغة طريقتها -أو طرقها- في "نظم" الكلام. وهذا أمر يلاحظه على وجه بين من يعاني الترجمة: فالنقل من لغة إلى أخرى يطلعنا على ما بين اللغات من خلاف في هذا الميدان. نحن في العربية مثلا نأتي بالموصوف أولا ثم نتبعه الصفة فنقول "المطر الغزير"، ولكن "عقلية" الرجل الإنجليزي عندما تريد التعبير عن هذه "الفكرة" لا تتصور إيراد الكلمة الدالة على "المطر" أولا، إن أول ما تتصوره هو "الصفة"، هو الكلمة الدالة على غزارة المطر فيقول The heavy rain. وهكذا تصدق تلك العبارة التي أوردها ج. فندريس في كتابه "اللغة" وهي قوله: "نحن نفكر بجمل"[1].
2- إن كل متكلم بلغة من اللغات تتكون لديه، من تعلمه للغته ومن ممارسته لها، "عادات" أو "نظم" عقلية خاصة فيما يتعلق بتأليف الجمل، وإنه ليألف هذه العادات والنظم، كما يألف نطق أصوات لغته ونماذج مقاطعها، وكلماتها، وتصدر عنه نماذج تأليف الكلمات في جمل بطريقة لا شعورية: إنه لا يتوقف ليتساءل كيف يرد بالنفي على هذا السؤال، ولا كيف يجيب عنه بالإثبات، ولا كيف يكون أسلوب "التعجب"، أو "الأمر"، أو "النهي" ... إلخ، إن كل هذه النظم من تأليف الكلمات يصدر عنه حال إرادته، وهكذا يتم "التفاهم" الإنساني، والاستعمال اللغوي عامة بهذه السرعة التي نعهدها. إن المتكلم العادي لا يدرك العمليات المعقدة والعضوية التي يقوم بها لنطق صوت واحد أو كلمة واحدة، وهو، كذلك، في مجال تأليف الجمل -عندما يتكلم لغته "الأم"- لا يدرك العمليات بالغة التعقيد التي يقوم بها. ولكن المتكلم قد يتعثر، وقد يخطئ خطأ بينا، عندما يتكلم لغة غير لغته، وهو يبذل جهدا "شعوريا" لتأليف الجمل على قدر إتقانه لتلك اللغة، وهذا الجهد يتناقص كلما ازداد إتقانه لها. وهذا راجع إلى تلك الحقيقة المعروفة، وهي أننا لا نجيد لغة من اللغات مثل إجادتنا لغتنا "الأم". [1] اللغة: ص104.
اسم الکتاب : علم اللغة مقدمة للقارئ العربي المؤلف : السعران، محمود الجزء : 1 صفحة : 169