اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 48
فكذلك لو كان المعجم صفة لحروف لما جازت إضافتها إليه، وأيضا فلو كان المعجم صفة لحروف، لقلت المعجمة[1]، كما تقول تعلمت الحروف المعجمة. فقد صح بما ذكرناه أن المعجم ليس وصفا لحروف.
والصواب في ذلك عندنا ما ذهب إليه أبو العباس محمد بن يزيد [المبرد] رحمة الله تعالى، من أن المعجم مصدر، بمنزلة الإعجام، كما تقول أدخلته مدخلا، وأخرجته مخرجا، أي إدخالا وإخراجا.
وحكى أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفشن أن بعضهم قرأ: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم} [الحج: 18] [2] بفتح الراء، أي من إكرام، فكأنهم قالوا: هذه حروف الإعجام، فهذا أسد وأصوب من أن يذهب إلى أن قولهم حروف المعجم بمنزلة قولهم صلاة الأولى ومسجد الجامع، لأن معنى ذلك صلاة الساعة الأولى والفريضة الأولى، ومسجد اليوم الجامع، فالأولى غير الصلاة في المعنى، والجامع غير المسجد في المعنى أيضا، وإنما هما صفتان حذف موصوفاهما، وأقيمتا مقامهما، وليس كذلك حروف المعجم، لأنه ليس معناه حروف الكلام المعجم، ولا حروف اللفظ المعجم، وإنما المعني أن الحروف هي المعجمة، فصار قولنا حروف العجم، من باب إضافة المفعول إلى المصدر، كقولهم: هذه مطية ركوب، أي من شأنها أن تركب، وهذا سهم نضال[3] أي من شأنه أن يناضل به، وكذلك حروف المعجم، أي من شأنها أن تعجم، فاعرف ذلك.
وقد اعترض فصلنا هذا أمر لا بد من شرحه وإبانته بالاشتقاق.
اعلم أن "ع ج م" إنما وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء، وضد البيان والإفصاح. [1] يقصد أن تطلق المعجمة على الحروف كما أطلق لفظ المعجم على الكتاب الذى يجمع هذه الحروف في ترتيب وتنسيق شديدين. [2] {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم} : إن الذي يذله الله ويهنه لا يمكن أن يكرمه أحد أو يرفع من مكانته.
واستخدام أسلوب الشرط يؤكد المعنى عن طريق تخصيص العز والذل بين الله عز وجل. [3] سهم نضال: سهم صائب غالب. مادة "ن. ض. ل". اللسان "6/ 4456".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 48