اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 295
عند كثير من الناس، لأنه أراد: أن أحضر، وأجاز سيبويه في قوله "مره يحفرها" أن يكون الرفع على قوله "مره أن يحفرها"، فلما حذفت أن ارتفع الفعل بعدها، وقد حملهم كثرة حذف "أن" مع غير الفاعل، على أن استجازوا ذلك مع اسم ما لم يسم فاعله، وإن كان جاريا مجرى الفاعل، وقائما مقامه.
وذلك قول جميل:
جزعت حذار البيت يوم تحملوا ... وحق لمثلي يا بثينة يجزع1
أراد: أن يجزع، على أن هذا قليل.
فإن قلت: ألست تعلم أن خبر كان يجري مجرى الفاعل، وقد قالوا: كأنك من جمال بني أقيش وأرادوا: جمل من جمال بني أقيش، فحذف الموصوف وهو خبر كأن، فهلا أجزت حذف الفاعل وإقامة الصفة مقامه في قول الأعشى: "ولن ينهى ذوي شطط كالطعن"، وقلت إنه أراد: شيء كالطعن، حملا على بيت النابغة؟
فالجواب أن بينهما فرقا من وجهين:
أحدهما: أن خبر كان وإن شبه بالفاعل في ارتفاعه، فليس في الحقيقة فاعلا، ولا في مذهب الفاعل، أولا تراك تقول: كأن زيدا يصلي، وكن أخاك يقفوا أثرك، فجعلهم خبرها، فعلا يدلك على أنه لا تبلغ قوة الفاعل في الاسمية، لأن الفاعل لا يكون إلا اسما محضا.
1 البيت لجميل بن معمر من قبيلة عذرة وهي قبيلة اشتهرت بالحب العذري، وكنيته أبو عمر، وقد وقع في هوى بثينة وارتبط اسمه بها حتى قيل جميل بثينة وقال فيها من الشعر الكثير.
جزعت: جزع جزعا: أي لم يصبر على ما نزل به، فهو جازع وجزوع وجزع.
البين: الفرقة، والكلمة من الأضداد فتكون أحيانا بمعنى الوصل. اللسان "1/ 403".
بثينة: تصغير بثنة وهي الأرض السهلة اللينة، والمرأة الجميلة البضة. اللسان "1/ 209".
ويقول جميل: إنني يا بثينة فقدت الصبر والتحمل على فراقك ومثلي لما به من حب وجوى حق له ألا يصبر على ألم الفراق، والأسلوب خبري تقريري.
الشاهد فيه أن الفعل "يجزع" يقرأ بالنصب عند الكوفيين وناصبه أن المحذوفة والتقدير "أن يجزع"، وعلى ذلك يكون إعراب الشاهد: يجزع: فعل مضارع منصوب بأن المحذوفة وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره لأنه مضارع صحيح الآخر.
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 295