اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 283
فلما كان الأول في تقدير المصدر، والمصدر اسم، لم يسغ[1] عطف الفعل بعده عليه، لأن الفعل لا يعطف على الاسم، فإذا أضمرت أن قبل الفعل، صارا معا في تقدير المصدر، والمصدر اسم، فلذلك جاز عطف اسم على اسم.
فإن قيل: ولم قدر في أول الكلام مصدر، حتي اضطروا إلى إضمار "أن"، ثم عطفوا المصدر المنعقد للمعنى بأن والفعل جميعا، على المصدر الذي قبله؟
فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك لمخالفة الفعل الثاني للفعل الأول في المعنى، وذلك أنك إذا قلت: ما تزورني فتحدثني، فلم ترد أن تنفيهما جميعا، ولو أردت ذلك، لرفعت الفعلين جميعا، ولكنك تريد: ما تزورني محدثا، أي قد تزورني ولكنك إذا زرتني لم تحدثني، فأنت الآن قد أثبت الزيارة، ونفيت الحديث، فلما اختلف الفعلان، ولم يجز العطف على ظاهر الفعل الأول، وأضمروا مصدره، وكان ذلك مستقيما سائغا، لدلالة الفعل الأول على مصدره، فلما تخيلوا في الفعل الأول معنى المصدر، عطفوا الثاني عليه، فاضطروا إلى إضمار "أن" لما ذكرت لك.
ويجوز لك أيضا إذا قلت: ما تزورني فتحدثني، فنصبت الثاني، أن يكون المعنى غير المعنى: ما تزورني إلا لم تحدثني.
وذلك أنه يجوز أن يكون المعنى: ما تزورني، فكيف تحدثني؟ فهذا أيضا معنى ما تزورني محدثا، لأن معناه: لو زرتني لحدثتني، فأنت الآن ناف للزيارة، ومعلم أن الزيارة لو كانت لكان الحديث عنها. فهذا أيضا معنى غير معنى رفع "فتحدثني". فهذا مجيء الفعل بعد الفعل.
وأما مجيئه بعد غير الفعل فهو أسهل في اعتقاد المصدر في أول الكلام، لأنه ليس هناك فعل يجوز عطف هذا الفعل المتأخر عليه، وذلك قولك: أين بيتك فأزورك؟ ألا ترى أن أين بيتك، ليس بفعل، فيعطف عليه أزورك، فهذا أظهر أمرا، فحمل هذا أيضا على المعنى، لأن معناه: ليكن تعريف منك، فزيارة مني، لأن معنى أين بيتك؟ عرفني بيتك، فجاز تقدير التعريف لذلك. [1] يسغ: يجز. تقول: ساغ له ما فعل أي جاز له ذلك. اللسان "3/ 2152".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 283