اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 19
التمهيد 1:
اعلم[2] أن الصوت عرض [3] يخرج من النفس مستطيلا متصلا، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له[4] حرفا، وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها، وإذا تفطنت[5] لذلك وجدته على ما ذكرته لك؛ ألا تري أنك تبتدئ الصوت من أقصى حلقك، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت، فتجد له جرسا ما، فإن انتقلت عنه راجعا منه، أو متجاوزا له، ثم قطعت، أحسست عند ذلك صدى[6] غير الصدى الأول وذلك نحو الكاف، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره، وإن جزت[7] إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين.
وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحروف، أن تأتي به ساكنا لا متحركا، لأن الحركة تقلق[8] الحرف عن موضعه، ومستقره، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي
1 زيادة ليست في الأصل. [2] اعلم: أسلوب أمر الغرض منه النصح والإرشاد. [3] عرض: يظهر ويبرز لسان العرب "4/ 2886". مادة "ع. ر. ض". [4] له: الضمير في "له" راجع الي الصوت، وفي عرض: راجع الي المقطع.
وعلى هذا يكون المؤلف قد سمى المقطع هنا حرفا، والمعروف أن المقطع هو مخرج الحرف، لا الحرف، وبالتالي فكلامه لا يستقيم إلا على ضرب من المجاز من باب تسمية المحل باسم الحال، كقولك: انصرف الديوان، والمراد هنا من فيه، مع ملاحظة أن التجوز غير مستساغ في التعريف لأنه ينافي شروطه. [5] تفطنت: أي صرت ذا فطنة، وفطن للأمر أي تنبه إليه فهو فاطن، وفطن، وفطين.
لسان العرب"5/ 3437" مادة "ف. ط. ن". [6] صدى: رجع الصوت يرده الجبل ونحوه، "ج"، أصداء. لسان العرب "4/ 2421". [7] جزت: جاز الطريق ونحوه أي تعداه وخلفه وراءه. لسان العرب "1/ 724". [8] تقلق: تصوير بليغ حيث يشبه الحركة بأنها مصدر لإزعاج الحرف بحيث تدفعه وتحركه عن موضعه.
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 19