اسم الکتاب : المزهر في علوم اللغة وأنواعها المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 313
يُعْرَف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه واستكمال جميع حروفهفجاز وقوع اللفظة الواحدة على المعنيين المتضادينلأنها تتقدمها ويأتي بعدها ما يدلُّ على خُصُوصيَّة أحد المعنيين دون الآخر فلا يُراد بها في حال التكلم والإخبار إلا معنى واحدفمن ذلك قول الشاعر: // من الرمل //:
(كلُّ شيء ما خَلا الموت جَلَلْ ... والفتى يَسْعَى ويُلْهيه الأمَل)
فدل ما تقدم قبل (جَلل) وتأخر بعده على أن معناه كلُّ شيء ما خلا الموت يسيرٌ ولا يتوهَّم ذو عقل وتمييز أن الجلَلَ هنا معناه عظيم وقال الآخر: // من البسيط //
(يا خَوْلَ يا خَوْلَ لا يَطمع بك الأملُ ... فقد يكذِّب ظنَّ الآمِلِ الأجَلُ)
(يا خَوْل كيف يذوق الغمض معترِف ... بالموت والموتُ فيما بعده جَلَلُ)
فدلَّ ما مضى من الكلام على أنَّ (جَلَلاً) معناه يسير.
وقال الآخر: // من الكامل //
(قومي هُمُ قتلوا أُمَيْمَ أخي ... فإذا رميتُ يصيبني سهمي)
(فلئن عفوتُ لأعفونْ جَللاً ... ولئن سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي)
فدلَّ الكلام على أنه اراد: فلئن عفوت لأعفون عفوا عظيمالأن الإنسان لا يفخرُ بصَفْحه عن ذنب حقير يسير.
فلما كان اللَّبس في هَذين زائلا عن جميع السامعين لم يُنكَر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين.
وقال تعالى {الذين يظنُّون أنهم مُلاقُو ربهم} .
أراد الذين يتقنون ذلك فلم يذهب وهمُ عاقلٍ إلى أن الله تعالى يمدحُ قوما بالشك في لقائه.
وقال تعالى حاكيا عن يونس: وذَا النُّونِ إذْ ذَهب مُغاضِباً فظن أن لن نَقْدِر
اسم الکتاب : المزهر في علوم اللغة وأنواعها المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 313