اسم الکتاب : المزهر في علوم اللغة وأنواعها المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 165
ومعرفةُ مثل هذا أنْفع من حِفْظ الألفاظ المجردة وتقليدِ اللغة مَنْ لم يكن فقيها فيها.
وقد يلهج العربُ الفصحاء بالكلمة الشاذة عن القياس البعيدة من الصواب حتى لا يتكلموا بغيرها ويدعوا المُنْقاس المطَّرِد المختار ثم لا يَجِبُ لذلك أن يُقالَ: هذا أفصحُ من المتروك.
من ذلك قول عامة العرب: إيش صنعت يريدون أي شيء ولا بشانيك يعنون لا أب لشانيك.
وقولهم: لا تبل أي لا تبالي.
ومثل تركهم استعمال الماضي واسم الفاعل: من: يَذَر ويَدَع واقتصارهم على: تَرَك وتارك وليس ذلك لأن (تَرك) أفصحُ من وَدع ووذر وإنما الفصيح ما أَفْصَحَ عن المعنى واستقام لفظهُ على القياس لا ما كثُر استعمالهُ.
انتهى.
ثم قال ابن دَرَسْتَويه: وليس كُلُّ ما ترك الفصحاءُ استعمالَه بخطأ فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيحٍ آخر أو لعلَّة غير ذلك.
انتهى. الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب
أفصحُ الخَلْق على الإطلاق سيدُنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين جلَّ وعلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أفصح العرب) وأصحاب الغريب ورَوَوْه أيضا بلفظ: (أنا أفصَحُ من نَطق بالضاد بَيْدَ أني من قريش) وتقدم حديث: (أن عمر قال: يا رسول الله مَا لَكَ أفصحنا ولم تَخرج من بين أظْهُرِنا. .) الحديث.
وروى البَيْهَقي في شعب الإيمان عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: (أن رجلا قال: يا رسول الله ما أفصحكفما رأينا الذي هو أعرب منك.
قال: حق لي فإنما أنزل القرآن علي بلسان عربي مبين) وقال الخطابي: اعلم أن اللهَ لما وضعَ رسوله صلى الله عليه وسلم موضع البلاغ من وَحْيه ونَصَبه مَنْصِب البيان لدينه اختار له من اللغات أعربَها ومن الألْسُن أفصحَها وأبينَها ثم أمدَّه بجوامع الكَلم.
قال: ومِنْ فصاحته أنه تكلم بألفاظ اقْتَضَبَها لم تُسْمَع من العرب قبله ولم توجد في مُتقدّم كلامها كقوله: (مات حَتْف أَنْفه) (وحَمِيَ الوطيس) (ولا يُلْدَغُ المؤمنُ من جُحرٍ مرَّتين)
اسم الکتاب : المزهر في علوم اللغة وأنواعها المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 165