responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس    الجزء : 1  صفحة : 297
اللغة وسيلة للعمل كانت لها غاية عملية، فيجب إذن أن ندرس الروابط التي تصلها بمجموع النشاط الإنساني، بالحياة نفسها لندركها تمام الإدراك.
أشرنا فيما سبق إلى "حياة اللغة"، وأبنا ما تحتمل هذه الاستعارة من بعد عن الصواب ومن إيقاع في اللبس، ولكن برغم ذلك يمكننا استعمالها على أنها فرض يوجه البحث ويجعل العرض التعليمي سائغا. ولكن المسائل التي جعلناها موضوع بحثنا حتى الآن ليست إلا تجريدات خلقها عقول علماء اللغة، وإنه لمن سوء التعبير، أو يكاد، أن نعبر بحياة اللغة عما هو خال من الحياة، عن الأصوات والأشكال النحوية والكلمات. فالحياة التي نحن بصددها الآن إن هي إلا مجموعة الظروف التي بين حدودها تموج الإنسانية، ما هي إلا الحقيقة الواقعية في تطوراتها التي لا تنتهي. واشترك اللغة في الحياة بهذا المعنى أمر بين، بل أكثر من البين. ولكن ليس أمامنا في هذه الحال نظام نظري يتكون من مبادئ تجريدية. بل نرانا أمام لغات تتكلم على سطح البسيطة بصور متنوعة.
الفرق بين اللغة LANGAGE واللغات، أن اللغة هي مجموعة الإجراءات الفسيولوجية والسيكولوجية التي في حوزة الإنسان لتمكنه من الكلام. أما اللغات "الألسن" LANGUES فهي استعمال هذه الإجراءات بصورة عملية. فيجب إذن، للوصول إلى تعريف كلمة لغة "بمعنى اللسان LANGUE" أن نخرج من محيط الفصول السابقة وأن ندرس الدور الذي تقوم به اللغة بمعنى LANGAGE في المجتمعات الإنسانية المنظمة.
أول فكرة تتبادر إلى الذهن هي فكرة الربط بين اللغة والجنس. بل إن المتن الكبير الوحيد الذي ألف في علم اللغة العام. ونعني كتاب فريدرش ملر Friedrich Muller[1] ينبني على هذه الفكرة. ففيه تستعرض لغات الشعوب المجعدة الشعر واحدة فواحدة ثم لغات الشعوب الملساء الشعر، فهو يصنف اللغات وفقا للمميزات الإتنولوجية. ولا شيء أشد غرابة على القارئ من هذا الترتيب، ولكن المبدأ الذي يقوم عليه، وهو أمر أكثر خطورة، لا يثبت طويلا أمام

[1] رقم 185، وانظر أيضا بيرن Byrne: رقم 131، مجلد 1، ص45.
الجزء الخامس: الكتابة
الفصل الأول: أصل الكتابة وتطورها
...
تعبر على نحو ما عن الأفكار العامة والطبقات الاجتماعية والطبيعية والكليات العقلية, فعلى هذا النحو تتكون الحروف الصينية من عنصرين: الأولى صورة الفكرة ideogramme التي صارت صورة صوتية phonogramme، وتعبر عن الصوت المقطعي الذي يكون الكلمة، والثاني بمثابة مفتاح المشكلة ويعين معنى الكلمة.
اللغات التي من أجلها اخترعت الكتابة المسمارية والهيروغليفية أول ما اخترعت، كانت لغات تصريفية؛ لذلك لم تنجح فيها إلا بقدر ضئيل تلك الطريقة التي استعملت في تكميل الكتابة الصينية. ومع ذلك فإن المصريين باختراعهم للمميزات، قد أوجدوا ما يعادل الأقسام عند الصينيين, فالصورة الهيروغليفية التي تقرأ ankh تدل إما على "الحياة"، وإما على "الأذن" فإذا ما أريد بها أن تدل على هذا المعنى الأخير بالذات صحبت بصورة الأذن التي تؤدي وظيفة المميز, ومن ثم نعثر في الكتابة المصرية -حتى بعد أن صارت كتابة صوتية محضة- على بعض المميزات المتفرقة التي أبقت التقاليد على استعمالها أما الكتابة المسمارية فلم تخل يوما -حتى في أوج انتشارها- من بعض حالات اللبس, ولتسهيلها من الوجهة العملية اضطر أهلها إلى جعلها مقطعية، وعلى هذه الصورة نراها تستعمل في تسجيل إحدى اللغات الهندية الأوربية، وهي الفارسية القديمة وذلك في نقوش دارا. ولكنها على وجه العموم كانت أقصر الكتابات التصويرية عمرا، وسمارية الأشمينين كانت آخر مثال منها, إذا لم تلبث أن استعيض عنها في كل مكان بكتابات صوتية، ولا سيما بالكتابة الآرامية المشتقة من الأبجدية الفينيقية.
أما الأبجدية الفينيقية -نحو ما نراها على شاهد ميسا Mesa القبري "وهو اليوم في متحف اللوفر" ذلك الشاهد الذي يرجع إلى ما قبل المسيح بتسعمائة سنة فإن البعض يعدها صورة مشوهة من الكتابة الهيروغليفية, ولكن هذا التشويه قد وقع بالتدريج على خطوات عدة, وقد بينا فيما سبق كيف يصل التطور الطبيعي بالصورة الفكرية إلى أن تصير صورة صوتية, وقد استقرت بعض الكتابات كالصينية في منتصف الطريق بين الخطتين بفضل نظام من التراكيب العلمية؛
اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس    الجزء : 1  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست