الإسلام بأخبار الحرب وأنباء الفتوح التي كانت تتوالى على المدينة صباح مساء، ثم أدّى انتقال مركز الخلافة إلى دمشق أيام الأمويين، ثم بغداد أيام العباسيين - إلى صرف الأنظار عن المدينة وتركّزِها على مراكز الخلافة الجديدة، فأهمل المؤرخون وأصحاب الطبقات كثيرا من نواحي الحياة في المدينة ومنها أخبار العلم والعلماء.
ولم تزل المدينة تبتعد شيئاً فشيئاً عن دوائر الضوء وتنزوي بين جبال الحجاز ورمال الصحراء في جزيرة العرب، حتى خرجت ومعها جزيرة العرب بكاملها من اهتمامات المؤرخين وأصحاب الطبقات، فليس ثمة ما يغري المؤرخين، أو يجبرهم على الخوض في شؤون تلك البقاع سوى ما يتصل بالحج، وأخبار بعض الخوارج والقرامطة.
وهكذا يمكن القول: إن اللغة والنحو وأربابهما في المدينة مما طُويَ عنا أمره، فلا نعرف اليوم من أعلام العربية أو عنهم إلا القليل؛ مما يمكن أن يجمع في قبضة يد واحدة من تراث لغوي مفقود.
وقد وفقت - بعد طول بحث في المظان المختلفة - على جملة من أولئك الأعلام في المدينة، وتعرفت على شيء يسير من تراثهم اللغوي الضائع، ومن هؤلاء: علي بن أبي طالب، وابن عباس، ومسلم بن جندب الهزلي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الله بن ذكوان المعروف بأبي الزناد، وعبد العزيز القارئ الملقب بـ"بشكُسْت" وزيد بن أسلم العدوي، وعلي الجمل، والأصبغ بن عبد العزيز الليثي، ونافع بن أبي نعيم، وعيسى بن يزيد بن دأب، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، ومروان بن سعيد المهلبي، ومحمد بن مروان المدني، وعيسى بن مينا بن وردان.
ويبدو أنّ لنحاة المدينة ولغوييها مؤلفات مفقودة في اللغة والنحو وأنّ لهم آراءهم النحوية الخاصة، ومصطلحاتهم التي كانت تدور في بيئتهم، وأنّ لهم مجالسهم اللغوية الخاصّة.