الذّائقة اللُّغويَّة الرَّفيعة من الصَّحابة والتَّابعين وغيرهم، الذين اشتركوا بدرجات متفاوتة في العناية باللغة، وأسهموا في إرساء الأسس النَّحويَّة الأولى، وتطوير العديد من المفاهيم اللُّغويَّة، ونقلها إلى مرحلة علمية جديدة.
وبرز من هؤلاء جماعة كان لهم النَّصيب الأوفر في نشأة علم النَّحو قياساً بمعاصريهم، وعلى تفاوت بينهم، وهم: عليّ بن أبي طالب وأبو الأسود الدُّؤلي في النصف الأول من القرن الأول، ونصر ابن عاصم وعبد الرَّحمن بن هرمز في النَّصف الثاني من القرن الأول.
ولبروز هؤلاء في هذا العلم وتفوقهم على غيرهم من معاصريهم نسب ابتداع علم النّحو في العربيَّة إليهم، واثنان من هؤلاء الأربعة كانوا في المدينة وهما: علي رضي الله عنه وعبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج.
ويلحق بهؤلاء الأربعة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - الّذي برع في اللُّغة وتفسير الغريب، وأسهم في ظهور علم الدِّلالة والمعجم، وقيل: إنّه أمر بوضع النحو كما سيأتي.
ولا بأس في أن أذكر فيما يلي شيئاً ممَّا أثر عن هؤلاء من غير بسط ولا استقصاء لشهرته وكثرة ما كتب فيه؛ولأن بعضه يحقق ما ذهبتُ إليه، وهو أنَّ نشأة الدَّرس اللُّغوي، بعامة والنَّحوي بخاصّة كانت في المدينة.
أولا: عليّ بن أبي طالب (ت 40هـ)
تذكر كثير من الرِّوايات القديمة أنَّ أوَّل من وضع علم العربيَّة وأسَّس قواعده، وحدَّ حدوده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأخذ عنه أبو الأسود الدُّؤلي[1]، وأخذ عن أبي الأسود نصر بن عاصم وعبد الرَّحمن بن هرمز، فقد ذكر أبو بكر الأنباريّ أنَّ أبا الأسود أخذ النَّحو عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - "[2]. [1] الفهرست 45، ونزهة الألباء17. [2] إيضاح الوقف والابتداء1/43.