وكان بعض السَّلف يقول: "ربما دعوت فلحنت فأخاف ألا يستجاب لي "[1].
وقد يحدث بعضهم بحديث فيلحن فيه، فيقول: "استغفر الله" يعني أنَّه عدَّ اللحن ذنباً، فيقال له فيه فيقول: "من أخطأ فيها فقد كذب على العرب، ومن كذب فقد عمل سوءاً"2.
وروي عن عمر بن الخطاب أنَّه جعل اللحن من الافتراء.3
وكان عمر بن الخطاب يضرب أولاده على اللحن ولا يضربهم على الخطأ في غير اللغة[4].
وأثر مثل هذا عن ابنه عبد الله[5] - رضي الله عنهما -.
وبعد هذا الفيض من الرِّوايات فإنَّه لا سبيل إلى إنكار ظهور اللحن في المدينة منذ الصدر الأول، واستفحال أمره فيما بعد في سائر الأمصار، لاختلاط العرب بغيرهم.
ومن الطبيعي أن يصحب ذلك إحساس بالحاجة إلى ضبط قواعد اللّغة الفصحى، ومن المؤكد أنَّ ذلك الإحساس نشأ منذ الصَّدر الأول في المدينة في عهد الخلفاء الراشدين، وربما كان ذلك منذ عهد النَّبي - صلى الله عليه وسلم.
وتدلًّ الرِّوايات الَّتي أوردنا شيئاً منها على إلمام النّبي - صلى الله عليه وسلم -وصحابته في المدينة إلماما فطرياً بالتَّراكيب النَّحويَّة، والإعراب بخاصة، وقد كانوا على قدر من الإدراك بأصول الكلمات واشتقاق الألفاظ، هدتهم إليه سلائقهم اللُّغويَّة النَّقيَّة، وسماعُهم ما يخالفها من لحن. [1] الإيضاح في علل النحو 96.
2معجم الأدباء1/17.
3 ينظر: الإيضاح في علل النحو 96. [4] ينظر: معجم الأدباء ا/23. [5] ينظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 24، وجامع بيان العلم وفضله 465.