الباب الثامن والخمسون: باب حروف الاستفهام
[حروف الاستفهام وأسماؤه وظروفه]
إن قال قائل: كم حروف الاستفهام؟ قيل: ثلاثة حروف1 "الهمزة، وأم، وهل" وما عدا هذه الثلاثة، فأسماء وظروف أُقيمت مُقامها؛ فالأسماء: "مَنْ، وما، وكم، وكيف" والظروف: "أين، وأنَّى، ومتى، وأيّ حين، وأيّان"؛ و"أي" يُحكَم عليها بما تُضاف إليه؛ فأمَّا الهمزة وأم، فقد بيناهما في باب العطف، وأمَّا "هل" فتكون استفهامًا وتكون بمعنى "قد" قال الله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [2] أي: "قد أتى" ثم قال الشاعر[3]: [البسيط]
سَائِلْ فَوَارِسَ يَرْبوعٍ بِشِدَّتِنَا ... أَهَلْ رَأَونَا بسَفحِ القُفِّ ذِي الأَكَمِ4
أي: قد رأونا، ولا يجوز أن تُجعل "هل" استفهامًا؛ لأنَّ "الهمزة" للاستفهام، وحرف الاستفهام، لا يدخل على حرف الاستفهام.
[علة إقامة العرب الأسماء والظروف مقام حروف الاستفهام]
فإن قيل: فَلِمَ أقامت العرب هذه الأسماء والظروف مُقام
1 في "س" حرف، وهو سهو من النَّاسخ. [2] س: 76 "الدهر، ن: 1، مك". [3] الشَّاعر هو: زيد الخيل بن مهلهل، من طَيِّئ، شاعر وخطيب من أبطال الجاهلية وفرسانها، أدرك الإسلام، فأسلم، وسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد الخير؛ له ديوان شعر مطبوع. الشعر والشعراء 286/1، والأغاني 46/16.
4 المفردات الغريبة: فوارس: جمع فارس. يربوع: أبو حيّ من تميم.
السَّفح: أسفل الجبل. القُفّ: ما ارتفع من متون الأرض. الأكمة: تلّ من القُفّ، وهو حجر واحد، ويجمع على أَكم.
موطن الشَّاهد: "أَهَل".
وجه الاستشهاد: وقوع "هل" بمعنى "قد"؛ لأنَّها سُبقت بهمزة الاستفهام؛ ولا يجوز عَدّ "هل" في البيت حرف استفهام؛ لأنَّ حرف الاستفهام لا يدخل على حرف استفهام مثله.