الباب السادس والأربعون: باب البدل
[الغرض في البدل]
إن قال قائل: ما الغرض في البدل؟ قيل: الإيضاح ورفع الالتباس، وإزالة التوسع والمجاز.
[أضرب البدل]
فإن قيل: فعلى كم ضربًا البدل؟ قيل: على أربعة أضرب؛ بدل الكل من الكل، وبدل البعض من الكل، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط. فأمَّا بدل الكل من الكل؛ فكقولك[1]: "جاءني أخوك زيدٌ، ورأيت أخاك زيدًا، ومررت بأخيك زيد" قال الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [2]؛ وبدل البعض من الكُل؛ كقولك: "جاءني بنو فلان ناس منهم" ولابد أن يكون فيه ضمير يعلقه بالمبدل منه؛ قال الله تعالى: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [3]. وأما قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [4] فـ"من استطاع" بدل من الناس، وتقديره: "من استطاع سبيلاً منهم" فحذف الضمير للعلم به. وأمَّا بدل الاشتمال؛ فنحو قولك: "سُلب زيدٌ ثوبُه، ويعجبني عمرو عقلُه" ولابد فيه -أيضًا- من ضمير يعلقه بالمبدل منه؛ قال الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [5]. فقوله: " قتال فيه" بدل من الشهر، والضمير فيه عائد إلى الشهر، فأمَّا قول الشاعر[6]: [الطويل]
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثَوَيتُهُ ... تُقضى لُبَانَاتٌ وَيَسْأَمُ سَائِمُ7 [1] في "ط" فقولك. [2] س: 1 "الفاتحة، 4، 5 مك". [3] س: 2 "البقرة، ن: 126، مد". [4] س: 3 "آل عمران، ن: 97، مد". [5] س: 2 "البقرة، ن: 217، مد". [6] لم يُنسب إلى قائل مُعين.
7 المفردات الغريبة: الثَّواء: طول المُقام، أو الإقامة. اللُّبانات: جمع "لُبانة" وهي الحاجة النفسية. وللبيت رواية أُخرى: "تقضِّي لبانات ويسأمُ سائمُ".
موطن الشاهد: "حولٍ ثواءٍ".
وجه الاستشهاد: حذف الضَّمير العائد إلى المبدل منه "حول" كما أوضح المؤلف في المتن.