فإن قيل: فَلِمَ[1] وجب أن يكون[2] الحال نكرة؟ قيل: لأن الحال جرى[3] مجرى الصفة للفعل، ولهذا سماها سيبويه: نعتًا للفعل، والمراد بالفعل: المصدر الذي يدلُ الفعل عليه، وإن لم تذكره[4]، ألا ترى أنَّ "جاء" يدل على "مجيء" وإذا قلت: "جاء راكبًا" دل على "مجيء" موصوف بركوب، فإذا كان الحال يجري مجرى الصفة للفعل -وهو نكرة- فكذلك وصفة يجب أن يكون نكرةً، وأما قولهم: "أرسلها العراكَ[5]، وطلبته جهدك وطاقتك، ورجع عودَه على بدئه"[6] فهي مصادر، أُقيمت مُقام الحال؛ لأن التقدير "أرسلها تعترك[7]، وطلبته تجتهد" و"تعترك" و"تجتهد" جملة من الفعل والفاعل في موضع الحال، كأنك قلت: "أرسلها معتركةٌ، وطلبته مجتهدًا" إلا أنه أضمر، وجعل المصدر دليلاً عليه، وهذا كثير في كلامهم. وذهب بعض النحويين إلى أن قولهم: "رجع عودَه على بدئه" منصوب؛ لأنه مفعول "رجع" لأنه يكون متعديًا، كما يكون لازمًا؛ قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [8] فأعمل "رجع" في الكاف التي للخطاب، فقال: رَجَعَكَ/ الله/[9]؛ فدل على أنه يكون مُتعديًا. ومما يدلُ على أن الحال لا يجوز أن يكون معرفةً أنها لا يجوز أن تقوم مُقام الفاعل في ما لم يُسمَّ فاعله؛ لأن الفاعل قد يُضمر، فيكون معرفةً، فلو جاز أن يكون الحال معرفةً؛ لما امتنع ذلك، كما لم يمتنع في ظرف الزمان والمكان، والجار والمجرور، والمصدر على ما بينا؛ فافهمه تصب، إن شاء الله تعالى. [1] في "ط" لِمَ. [2] في "ط" يكون. [3] في "س" تجري. [4] في "س" يذكر. [5] أرسلها العِرَاكَ: جملة من بيت للبيد بن ربيعة العامريّ، أحد أصحاب المعلَّقات، أدرك الإسلام، وهجر الشعر؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 41 هـ. وأما البيت، فهو:
فأرسلها العِراك ولم يذدها
ولم يُشفق على نغص الدّخال
المفردات الغريبة: أرسلها: الضمير للإبل، أو الأتن. لم يَذُدْهَا: لم يمنعها.
النَّغص: عدم الاستطاعة في اتمام المراد. الدّخال: دخول بعير -قد شرب مرّة- في الإبل الواردة؛ ليشرب معها. أسرار العربية: 193 -/ حا7.
موطن الشاهد: "أرسلها العِرَاكَ.
وجه الاستشهاد: وقوع "العراك" مصدرًا أُقيم مُقام الحال؛ لما أوضحه المؤلف في المتن. [6] أي: عائدًا. [7] في "س" والتقدير. [8] س: 9 "التوبة، ن: 83، مد". [9] سقطت من "س".