لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة، وهذا لا يدل على الأصل والفرع، ألا ترى أنهم قالوا: "يَعِدُ" والأصل /فيه/[1]: "يَوْعِدُ" فحذفوا الواو؛ لوقوعها بين ياء وكسرة، وقالوا: "أَعِدُ، ونَعِدُ، وتَعِدُ" فحذفوا الواو -وإن لم تقع بين ياء وكسرة حملاً على "يَعِدُ" لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة، وكذلك قالوا: "أُكْرِمُ" والأصل فيه "أُأَكْرِمُ" إلا أنهم حذفوا إحدى الهمزتين استثقالاً لاجتماعهما، ثم قالو: "يُكرم، وتُكرم، ونُكرم" فحذفوا الهمزة، وإن لم تجتمع[2] همزتان حملاً على "أكرم" ليجري الباب على سنن واحد؟ فكذلك[3] ههنا. وأما قولهم: إن الفعل يعمل في المصدر، فنقول: هذا لا يدل على أنه أصل له، فإنَّاأجمعنا على أن الحروف تعمل في الأسماء، والأفعال، ولا شك أن الحروف ليست أصلاً للأسماء، والأفعال؛ فكذلك ههنا. وأما قولهم: إن المصدر يذكر تأكيدًا للفعل، فنقول: هذا لا يدل على أنه فرع عليه، ألا ترى أنك تقول: "جاءني زيد /زيد/[4]، ورأيت زيدًا زيدًا" ولا يدل هذا على أن زيدًا الثاني فرع على الأول؛ فكذلك ههنا، وقد بيّنا هذا مستوفىً في المسائل الخلافيّة[5].
[علة انتصاب أفعل المضاف إلى المصدر]
فإن قيل: فَلِمَ[6] كان قولهم: "سرت أشد السير" منصوبًا على المصدر؟ قيل: لأن "أفعل" لا يضاف إلا إلى ما هو بعض له، وقد أضيف إلى المصدر الذي هو السير، فلما أضيف إلى المصدر، كان مصدرًا؛ فانتصب انتصاب المصادر كلها.
[انتصاب المصدر القرفصاء ونحوه]
فإن قيل: فعلى ماذا ينتصب قولهم: "قَعَدَ القُرفصاءَ" ونحوه؟ قيل: ينتصب على المصدر بالفعل الذي /هو/[7] قبله؛ لأن القرفصاء لما كانت نوعًا من القعود، والفعل الذي هو "قعد" يتعدى إلى جنس القعود الذي يشتمل على القرفصاء؛ وغيرها؛ تعدّى إلى القرفصاء الذي هو[8] نوع منه؛ لأنه إذا عمل في [1] سقطت من "ط". [2] في "ط" يجتمع. [3] في "ط" وكذلك. [4] سقطت من "س". [5] راجع: الإنصاف في مسائل الخلاف، 1/ 144-152. [6] في "س" لِمَ. [7] سقطت من "س". [8] في "س" التي منها.