اسم الکتاب : نهر الذهب فى تاريخ حلب المؤلف : كامل الغَزِّي الجزء : 1 صفحة : 147
والقوافي وقرض الشعر والإنشاء والمحاضرة والدواوين ووقائع الأمم والأمثال وشروط السجلات وعلم قوانين الكتابة ورسم المصحف وعلم مخارج الحروف، وغير ذلك من العلوم والفنون.
وقد بحث المفسرون بالقرآن أبحاثا عميقة هي غير تفسير المعاني فاشتغلوا بتحرير سوره المختلف في موضع نزولها، ومعرفة مواضع نزول الآيات مكة أم المدينة أو غيرهما ومعرفة ما كان نزوله في الليل أو في النهار والصيف أو الشتاء، ومعرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل منه وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من الفنون التي تتعلق بالقرآن، حتى عدّوا كلماته وضبطوا حروفه وأحصوا نقطه وحركاته وسكناته على ما هو محرر مسطور في كتاب الإتقان للإمام السيوطي، ولما فرغوا من ذلك ورأوا أن الشريعة المحمدية قد بلغت الغاية القصوى من الضبط والتحرير وأن الفتوحات قد اتسعت والنفوذ السياسي قد أرهبت سطوته عالم المسكونة ثنوا عنان عزمهم واهتمامهم إلى ما يزيدهم ارتقاء في معارج الكمالات الإنسانية وتقدما في ميادين الحضارة والمدنية. وقد صادف ميلهم هذا وتفرغهم إليه أوائل الدولة العباسية فقام أمير المؤمنين هارون الرشيد وشرع بمساعدة العلماء وترويج مقاصدهم وأخذ يمهد الطريق لذلك ببث التمدن ونشر العلوم وحماية الصنائع إلى أن آلت الخلافة إلى ولده عبد الله المأمون ورسخ قدمه في الإمرة أشرقت أنوار العلم وتجلت سماء المعارف بنجوم العلماء والعظماء لما فطر عليه هذا الخليفة من حب العلم وأهله حتى إنه كان في عهد والده لا تطيب نفسه إلا بمصاحبة العلماء من المسلمين والكلدان والسريان والفرس وغيرهم. وقد جعل بغداد مقر المعارف وانتشرت فيها محبة العلم والانصباب إليه حتى صار لا يسمر فيها سامر إلا بالكلام على الدرس والمدارس والكتب والعلوم.
وقد استحضر المأمون العلماء من سائر جهات العالم على اختلاف مللهم ونحلهم ولغاتهم معاملا جميعهم بالحفاوة والكرامة متقربا إليهم بأنواع العطايا الوافرة والإقطاعات العامرة وكان يدخل إلى بغداد في كل يوم مئات من الجمال الموقرة بالكتب المجهزة من أقطار العالم وكانت العلماء يترجمون أحسنها إلى اللغة العربية وكانت دار الحكم «1» مؤلفة من معلمين
اسم الکتاب : نهر الذهب فى تاريخ حلب المؤلف : كامل الغَزِّي الجزء : 1 صفحة : 147