اسم الکتاب : نفاضة الجراب في علالة الاغتراب المؤلف : لسان الدين بن الخطيب الجزء : 1 صفحة : 60
إذا نَفْسُ امرئٍ ولعت بمغنى ... فما بسوى كمالك لي ولوع
سيدي أبقاك اللهُ عالي القدر، منشرحَ الصدر، حالاً من منازل السعادة منزلة البدر، تَنَخَّلْتُ الأماجدَ فوقف على تفضيلك اختياري، وإن لم يُتَح لقائي ولا قُرب جواري، لكن السماع، ومتى يُرَدُّ حكم أصله الإجماع والأخبار والاعتبار. فلما أتاح الدهر تلك اللمحة على ظهر طريق، وانحياز فريق، هممت أن أَبُثَّك بعض اعتقادي، وأَنْفُثَ بعُقَد ودادي، فضاقت الوقفة، ولم تكمل الصفقة. وانصرفت انصراف الظمآن شارف العذب الزلال فلم يشرب، والمُحبِّ تمنى ساعة اللقاء فما أبان ولا أعرب، وخفت أن يُجْرِيَه سيدي مُجرى الهذر الذي هو صَرْفُ الأسواق، والمعاملة به على الإطلاق، حيث لا خلاق، بل هو والله الحق الذي وضح مُحَيَّاه، والبارق الذي أغدق سُقياه، والحديث الذي أخجل المسك ريَاه، لم تحمل عليه المطامع، ولا السراب اللامع، فليثق سيدي من المعتدِّ به بموجب حقِّه، العليم بسبقه، والقائل بأنه واحدُ عصره، وحسنة دهره، إلى أن يَمُنَّ الله بلقاءٍ يشرح المُضْمَرَ ويبينُه، حتى تَخْفِقَ رايته وينتشرَ كمينه، والله يديم سعد سيدي وعلاه، ويحفظه ويتولاه.
وخاطبت الوالي بدرعة، وبلاد القبلة، السري الماجد أبا محمد عبد الله بن محمد حفظه الله وأعزه:
والي الولاة وواحدَ الزمن الذي ... تبآى الملوكُ بمثله وتُفاخرُ
صيَّرت حاتمَ طَيّءٍ يزرى به ... زار ويسخر إن تذوكر ساخر
إن كان طلاَّ أنت جودٌ ساجمٌ ... أو كان نهراً أنت بحرٌ زاخر
وإذا كان الزمان الأول استعلى بأه ... ليه أناف بك الزمان الآخر
كتبت إلى سيدي والخجل قد صبَغَ وجه يراعي، وعقم ميلاد إنشائي واختراعي، لمكارمه التي أعيت بِمَنِّهِ ذراعي، وعجز في خوض بحرها سفينتي وشراعي، فلو كان فضله فنّاً محصوراً، لكنتُ على الشكر مُعاناً منصوراً، أو على غرضٍ مقصوراً، لزأرتُ أسداً هصوراً، ولم يُر فكري عن عقائل البيان حصُوراً، لكنه مجدٌ تألق بكل ثنيَّة، ومكارم رمت عن كل حنيَّة، ومجدٍ سبق إلى كل أمنية، وأيادٍ ببلوغ غايات الكمال معنية، فحسبي الإلقاء باليد لغلبة تلك الأيادي، وإِسلام قيادي، إلى ذلك المجد السيادي، وإعفاء يراعي ومدادي، فإذا القول من باب الخير إلى باب الدعاء وقد وصلني كتابُ سيدي مختصرَ الحجم، جامعاً بين النجم والنجم، قريب عهده من يمينه بمجاورة المطر السَّجْم، فقلت اللهم كافِ سيدي واجزه، ومُرِيدَهُ بالضر فأخْزِه، ولله دَرُّ المثل: أشبَهَ امرأ بعضُ بَزِّه، كمال واختصار وريحانُ أَنوفٍ وإثْمِدُ أبصار، أَعْلَنَ بالرَّعْي الذي لا يُغَيَّر بعدُ الدار من شيمته، ولا يقدح اختلاف العروض والأقطار في ديمته، إنما نفسه الكريمة والله يقيها، وإلى معارج السعادة يُرْقيها، قانونٌ يُلحق أدنى الفضائلِ بأقصاها، وكتابُ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وإني وإن عجزت عما خصني من عُمومها، وأحسبني من جُمومها لمخلِّدُ ذكرٍ يبقى، وتذهبُ اللَّهى، ويعلي مباني المجدِ تُجاوز ذوائبُها السُّهَى، ويذيع بمحافل الملك فما دونها، مَمَادِحَ يَهْوَى المسكُ أن يكونها، وتعطف له الرياضُ العِينُ غضونَها، وتُكحل به الحور العِينُ عيونَها، وتؤدى منه الأيام المتربة دُيونَهَا، وإن تشوَّفَ سيدي بعدَ علو حمده وشكره، واستنفاد الوضع في إطالة مدحه وإطابة ذكره إلى الحال، ففلان حفظه الله يشرح المجمل ويبين من عواملها الملغى والمعمل. وأما اعتناء سيدي بالولد المكفى بحرمته، فليس ببدْعٍ في بعد صيته وعلو همته، على من تمسك بأذمته، وفضله أكبر من أن يقيد بِقصَّة، وبدر كماله أجل من أن يعدّل بوسَط أو حصَّة، والله تعالى يحفظ منه في الولاة والي القبلة، وولى المكارم بالكَسْبِ والجِبِلَّة، ويجعل جيش تمامه لا يؤتى من القلة بفضله وكرمه.
وخاطبت أبا سعيد بن حبوس الوالي بمكناسة في بعض الأغراض، وهو ممن يثني عليه الأحلاف من صحابته إخوان النبيذ، استكشف ما موَّهوا به من زيفه فكان بهرجاً زائفاً شيمة مثله:
اسم الکتاب : نفاضة الجراب في علالة الاغتراب المؤلف : لسان الدين بن الخطيب الجزء : 1 صفحة : 60