responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن - ط دار الحديث المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 84
الْعِجْلِيَّ، فَقَالَ لِي: أَتَعْلَمُ لِي رَجُلا مِنْ جِيرَانِكَ أَوْ إِخْوَانِكَ يُرِيدُ الْحَجَّ تَرْضَاهُ وَيُرَافِقُنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْحَيِّ لَهُ صَلاحٌ وَدِينٌ فَجَمَعْتُ بَيْنَهُمَا، وَتَوَاطَآ عَلَى الْمُرَافَقَةِ.
ثُمَّ انْطَلَقَ بَهِيمٌ إِلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ أَتَانِيَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا هَذَا أُحِبُّ أَنْ تَزْوِيَ عَنِّي صَاحِبَكَ وَتَطْلُبَ رَفِيقًا غَيْرِي.
فَقُلْتُ: لِمَ؟ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ بِالْكُوفَةِ لَهُ نَظِيرًا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَالاحْتِمَالِ.
فَقَالَ: وَيْحَكَ! حُدِّثْتُ أَنَّهُ طَوِيلُ الْبُكَاءِ لا يَكَادُ يَفْتُرُ، فَهَذَا يُنَغِّصُ عَلَيْنَا الْعَيْشَ.
فَقُلْتُ: وَيْحَكَ! إِنَّمَا يَكُونُ الْبُكَاءُ أَحْيَانًا عِنْدَ التَّذْكِرَةِ، أَوَ مَا تَبْكِي أَنْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ، قُلْتُ: اصْحَبْهُ فَلَعَلَّكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِهِ.
فَقَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَا فِيهِ جِيءَ بِالْإِبِلِ وَوُطِّئَ لَهُمَا، فَجَلَسَ بَهِيمٌ فِي ظِلِّ حَائِطٍ فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ لِحْيَتِهِ وَجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ، ثُمَّ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ عَلَى صَدْرِهِ، حَتَّى وَاللَّهِ رَأَيْتُ دُمُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ.
فَقَالَ لِي: يَا مُخَوَّلُ، قَدِ ابْتَدَأَ صَاحِبُكَ، لَيْسَ هَذَا لِي بِرَفِيقٍ.
فَقُلْتُ: ارْفُقْ، لَعَلَّهُ ذَكَرَ عِيَالَهُ وَمُفَارَقَتَهُ إِيَّاهُمْ.
وَسَمِعَهَا بَهِيمٌ، فَقَالَ: يَا أَخِي وَاللَّهِ مَا هُوَ ذَاكَ وَمَا هُوَ إِلا أَنِّي ذَكَرْتُ بِهَا الرِّحْلَةَ إِلَى الْآخِرَةِ، وَعَلا صَوْتُهُ بِالنَّحِيبِ.
فَقَالَ لِي صَاحِبِي: مَا هِيَ بِأَوَّلِ عَدَاوَتِكَ لِي، مَالِي وَلِبَهِيمٍ؟ إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُرَافِقَ بَيْنَ بَهِيمٍ وَبَيْنَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ وَسَلامٍ أَبِي الْأَحْوَصِ؛ حَتَّى يَبْكِيَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَيُشْفَوْنَ أَوْ يَمُوتُونَ.
فَلَمْ أَزَلْ أَرْفُقُ بِهِ، وَقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ! لَعَلَّهَا خَيْرُ سَفْرَةٍ سَافَرْتَهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ لا يَعْلَمُ بِهِ بَهِيمٌ، وَلَوْ عَلِمَ مَا صَاحَبَهُ.
فَخَرَجَا وَحَجَّا وَرَجَعَا، فَلَمَّا جِئْتُ أُسَلِّمُ عَلَى جَارِي، قَالَ لِي: جَزَاكَ اللَّهُ يَا أَخِي عَنِّي خَيْرًا، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ فِي الْخَلْقِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ، كَانَ وَاللَّهِ يَتَفَضَّلُ عَلَيَّ فِي النَّفَقَةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَأَنَا مُوسِرٌ، وَفِي الْخِدْمَةِ وَأَنَا شَابٌّ وَهُوَ شَيْخٌ،

اسم الکتاب : مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن - ط دار الحديث المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 84
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست