وأسواق عامرة، وهي راخية أكثر الدهر، رخيصة الفواكه، كثيرة الشجر والأعناب وأصناف الثمار، وبها معادن فضةٍ غزيرة متصلة المادة؛ وكانت تصنع بها البسط الرفيعة الشريفة؛ ولأهل مرسية حذق بصنعتها وتجويدها لا يبلغه غيرهم.
ومن مرسية أبو غالب تمام بن غالب، المعروف بابن التياني اللغوى المرسى صاحب الموعب؛ وكان أبو الجيش مجاهد بن عبد الله، صاحب دانية، قد تغلب على مرسية وأبو غالب إذ ذاك بها، فأرسل إليه ألف دينار على أن يزيد في ترجمة الكتاب أنه ألفه لأبي الجيش مجاهد، فرد الدنانير وأبى من ذلك وقال: والله لو بذلت لي الدنيا على ذلك ما فعلت، ولا استجزت الكذب، فإني لم أجمعه لك خاصةً، وإنما جمعته لكل طالب علمٍ.
وعلى أربعين ميلاً من مرسية عين ماء عذبٍ، يقصدها منعلق العلق بحلقه، فيفتح به، فيسقط العلق لحينه، وذلك بإقليم إيلش؛ وقال بعضهم: هذا طب تمام يوجد في كل ماءٍ عذبٍ باردٍ إذا فتح فيه عليه من علق العلق به أسقطه في الأغلب، وذلك لأن العلق إنما ينشا في الماء العذب، فيطرأ عليه من خلاف ذلك المزاج ما يستروح منه إلى الماء، وكثيراً ما يطب به الأطباء فيستغنون به عن شجر أناغاليس الذي من شأنه قتل العلق، وعن العكوب وعن الخل وأمثال هذه الأشياء.
ومرسية في مستوٍ من الأرض، ولها ربض عامر آهل، وعليها وعلى ربضها أسوار، وحظائر متقنة، والماء يشق ربضها، وهي على ضفة النهر، ويجاز إليها على قنطرةٍ مصنوعةٍ من المراكب، ولها أرحاء طاحنة في مراكب تنتقل من موضع إلى