وأحواز قرطبة تنتهي في المغرب إلى أحواز إشبيلية، وتأخذ في الجوف ستين ميلاً، ويختلط أحوازها في الشرق بأحواز جيان. وعلى الجملة فقد كانت أم البلاد وواسطة عقد الأندلس، وحوت من الأكابر من أهل الدنيا والآخرة، من الملوك والعلماء والصالحين والمفتين وغيرهم خلقاً، ومتعوا فيها ما أراد الله عز وجل، وذلك حين كان جدها صاعداً؛ وبعد ذلك طحنتها النوائب، واعتورتها المصائب؛ وتوالت عليها الشدائد والأحداث؛ فلم يبق من أهلها إلا البشر اليسير على كبر اسمها، وضخامة حالها؛ وقنطرتها التي لا نظير لها، وعد أقواسها تسع عشرة قوساً، بين القوس والقوس خمسون شبراً، ولها ستائر من كل جهة تستر القامة، وارتفاعها من موضع المشى إلى وجه الماء، في أيام جفوف الماء وقلته، ثلاثون ذراعاً؛ وتحت القنطرة يعترض الوادي برصيف مصنوع من الأحجار والعمد الجافية من الرخام؛ وعلى السد ثلاث بيوت أرحاء، في كل بيت منها أربعة مطاحن. ومحاسن هذه المدينة وشماختها أكثر من أن يحاط بها خبراً. فلما عثر جدها، وخوى نجمها، وضعف أمر الإسلام، واختلفت بالجزيرة كلمته، تغلب عليها النصارى، وحكموا عليها في أواخر شوال من سنة 633.
قرمونة
مدينة بالأندلس في الشرق من إشبيلية، وبينها وبين إستجة خمسة وأربعون ميلاً، وهي مدينة كبيرة قديمة، وهي باللسان اللطينى كارب موية وهي الكاف والألف والراء والباء المعجمة بواحدة معناه صديقي؛ وهي في سفح جبلٍ عليها سور حجارة