اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 52
الرطب العنان[1] السلس القياد ويأتون في ذلك بعجب يضيق الوصف عنه.
وفي ظهر يوم الثلاثاء الرابع من شهر ربيع الآخر المذكور وهو السادس والعشرون من شهر يوليه كان نزولنا بجدة حامدين لله عز وجل وشاكرين على السلامة والنجاة من هول ما عايناه في تلك الثمانية أيام طول مقامنا على البحر وكانت اهوالا شتى عصمنا الله منها بفضله وكرمه فمنها ما كان يطرا من البحر واختلاف رايحه وكثرة شعابه المعترضة فيه ومنها ما كان يطرأ من ضعف عدة المركب واختلالها واقتصامها[2] المرة بعدالمرة عند رفع الشراع أو حطه أو جذب مرسى من مراسيه وربما سنحت[3] الجلبة بأسفلها على شعب من تلك الشعاب أثناء تحللها فنسمع لها هدا يؤذن باليأس فكنا فيها نموت مرارا ونحيى مرارا والحمد لله على ما من به من العصمة وتكفل به من الوقاية والكفاية حمدا يبلغ رضاه ويستهدى المزيد من نعماه بعزته وقدرته لا إله سواه.
وكان نزولنا فيها بدار القائد على وهو صاحب جدة من قبل أمير مكة المذكور في صرح من تلك الصروح الخصوصية التي يبنونها في أعالي ديارهم ويخرجون منها إلى سطوح يبيتون فيها. وعند احتلالنا جدة المذكورة عاهدنا الله عز وجل سرورا بما أنعم الله به من السلامة إلا يكون انصرافنا على هذا البحر الملعون إلا إن طرأت ضرورة تحول بيننا وبين سواه من الطرق والله ولى الخيرة في جميع ما يقضيه ويسنيه[4] بعزته. [1] الرطب العنان: الطبع السلس. [2] اقتصامها: انكسارها. [3] سنحت: لصقت بالأرض. [4] يسنيه: يسهله وييسره.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 52