responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير    الجزء : 1  صفحة : 289
الرياح العاصفة الغربية
وفي النصف من ليلة الأحد الحادي عشر منه انقلبت الريح غربية وكشف النوء من المغرب وجاءت الريح عاصفة فأخذت بنا جهة الشمال وأصبحنا يوم الأحد المذكور والهول يزيد والبحر قد هاج هائجه وماج مائجه فرمى بموج كالجبال يصطدم المركب صدمات يتقلب لها على عظمه تقلب الغصن الرطيب وكان كالسور علوا فيرتفع له الموجا رتفاعا يرمى في وسطه بشآبيب كالوابل المنسكب. فلما جن الليل اشتد تلاطمه وصكت الأذان غماغمه واستشرى عصوف الريح فحطت الشرع واقتصر على الدلالين الصغار دون انصاف الصواري ووقع اليأس من الدنيا ووعنا الحياة بسلام وجاءنا الموج من كل مكان وظننا أنا قد احيط بنا فيا لها ليلة يشيب لها سودالذوائب مذكورة في ليالي الشوائب مقدمة في تعاد الحدواث والنوائب! ونحن منها في مثل ليل صول طولا[1] فأصبحنا ولم نكد فكان من الاتفاقات الموحشة أن أبصرنا بر اقريطش عن يسارنا وجباله قد قامت أمامنا وكنا قد خلفناه عن يميننا فأسقطتنا الريح عن مجرانا ونحن نظن أنا قد جزناه فسقط في أيدينا وخالفنا المجرى المعهود الميمون وهو أن يكون البر المذكور منا يمينا في استقبال صقلية. فاستسلمنا للقدر وتجرعنا غصص هذا الكدر وقلنا:
سيكون الذي قضى ... سخط العبد أو رضى
وفي أثناء ذلك انبسطت الشمس ولان البحر قليلا وصممنا نروم أخذ مرسى في البر المذكور إلى أن يقضى الله قصاءه وينفذ حكمه ولكل سفر

[1] مثل منتزع من قول حندج المري، الذي رواه ياقوت في مادة صول:
في ليل صول تناهى العرض والطول ... كأنما صبحه في الليل موصول
وصول بلد.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير    الجزء : 1  صفحة : 289
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست