اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 285
وكان أول ذلك اليوم يوم شدتنا في هذا السفر الطويل وآخره والحمد لله يوم فرجنا ولله الحمد والشكر على كل حال.
واتصل جرينا والريح الموافقة تأخذ وتدع نحو خمسة أيام ثم هبت علينا الريح الغربية من مكمنها دافعة في وجه المركب فأخذ رئيسه ومدبره الرومي الجنوي وكان بصيرا بصنعته حاذقا في شغل الرياسة البحرية يراوغها تارة يمينا وتارة شمالا طمعا إلا يرجع على عقبه والبحر في أثناء ذلك رهو[1] ساكن
فلما كان نصف الليل أو قريب منه ليلة السبت التاسع عشر لرجب المذكور والسابع والعشرين لأكتوبر تردت علينا الريح الغربية فقصفت قرية[2] الصاري المعروف بالأردمون وألقت نصفها في البحر مع ما اتصل بها من الشراع وعصم الله من وقوعها من المركب لأنها كانت تشبه الصواري عظما وضخامة، فتبادر البحريون إليها وحط شراع الصاري الكبير وعطل المركب من جريه وصيح بالبحريين الملازمين للعشاري[3] المرتبط بالمركب فقصدوا إلى نصف الخشبة الواقعة في البحر وخرجوها مع الشراع المرتبط بها وحصلنا في أمر لا يعلمه إلا الله تعالى وشرعوا في رفع الشراع الكبير وأقاموا في الأردمون شراعا يعرف بالدلون[4]، وبتنا بليلة شهباء إلى أن وضح الصباح وقد من الله عز وجل بالسلامة.
وشرع البحريون في إصلاح قرية أخرى من خشبة كانت معدة عندهم والريح الغربية على أول لجاجها ونحن بين اليأس والرجاء تتردد مغلبين حسن الثقة بجميل صنع الله تعالى وحفى لطفه ومعهود فضله سبحانه هو أهل ذلك جلت قدرته وتناهت عظمته لا إله سواه. [1] رهو: ساكن. [2] القرية: عود الشراع الذي يجعل في عرضه من أعلاه. [3] العشاري: زورق النجاة. [4] الدلون: شراع صغير.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 285