اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 221
كلها بالخشب فلا يزال أهلها في ظل ممدود فتخترقها كأنك تخترق دارا كبيرة الشوارع قد بنى عند كل ملتقى أربع سكك أسواق منها قبة عظيمة مرفوعة مصنوعة من الجص هي كالمفرق لتلك السكك. ويتصل بهذه الأسواق جامعا المكرم وهو عتيق مجدد قد جاء على غاية الحسن وله صحن كبير فيه ثلاث قباب مرتفعة على سواري رخام وتحت كل قبة بئر عذبة وفي الصحن أيضا قبة رابعة عظيمة قد قامت على عشر سوار من الرخام دور كل سارية تسعة أشبار وفي سوط القبة عمود من الرخام عظيم الجرم دوره خمسة عشر شبرا.
وهذه القبة من بنيان الروم وأعلاها مجوف كأنه البرج المشيد يقال: إنه كان مخزنا لعدتهم الحربية والله أعلم. والجامع المكرم سقف بجوائز الخشب[1] والحنايا وخشبه عظام طوال لسعة البلاط وسعته خمس عشرة خطوة وهو خمسة ابلطة وما رأينا جامعا اوسع حنايا منه وجداره المتصل بالصحن الذي عليه المدخل إليه مفتح كله أبوابا عددها سعة عشر بابا تسعة يمينا وتسعة شمالا والتاسع عشر منها باب عظيم وسط هذه الأبواب يمسك قوسه من أعلى الجدار إلى أسفله بهى المنظر جميل الوضع كأنه باب من أبواب المدن الكبار ولهذه الأبواب كلها أغلاق من الخشب البديع الصنعة والنقش تنطبق عليها على شبه أبواب مجلاس القصور فشاهدنا من حسن بناء هذا الجامع وحسن ترتيب اسواقه المتصلة به مرآى عجيبا قل ما يوجد في المدن مثل انتظامه.
ولهذه البلدة مدرسة ومارستانا وهي بلدة كبيرة وسورها متين حصين مبنى بالحجارة النمحوتة المرصوص بعضها على بعض في نهاية من القوة وكذلك بنيان الجامع المكرم ولها قلعة حصينة مما يلي الجهة الشرقية منها منقطعة عنها بفضاء واسع بينهما ومنقطعة أيضا عن سورها بحفير عظيم يستدير بها [1] جوائز الخشب: الأخشاب المعترضة بين حائطين.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 221