اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 218
متسع يبسط الماء فيه حتى يصير كالصهريج العظيم ثم خرج ويسيل نهرا كبيرا كأكبر ما يكون من الأنهار وينتهي إلى العين الأخرى ويلتقى بمائها. وهذه العين الثانية عجب من عجائب مخلوقات الله عز وجل وذلك أنها نابعة تحت الأرض من الحجر الصلد بنحو أربع قامات أو أزيد وتيسع منعبها حتى يصير صهريجا في ذلك العمق وبعلو بقوة نبعه حتى يسيل على وجه الأرض فربما يروم السابح القوى السباحة الشديد الغوص في أعماق المياه أن يصل بغوصه إلى قعره فيمجه الماء بقوة انبعاثا من منعه فلا يتناهى في غوصه إلى مقدار نصف مسافة العمق أو أقل شيئا شاهدنا ذلك عيانا. وماؤها اصفى من الزلال وأعذب من السلسبيل يشف عما حواه فلو طرح الدينار فيه في الليلة الظلماء لما أخفاه وبصاد فيها سمك جليل من أطيب ما يكون من السمك.
وينقسم ماء هذه العين نهرين: أحدهما أخذ يمينا والآخر يسارا فالأيمن يشق خانقة[1] مبنية للصوفية والعرباء بازاء العين وهي تسمى الرباط أيضا والأيسر ينسرب على جانب الخانقة وتفضى منه جداول إلى مطاهرها ومرافقها المعدة للحاجة البشرية ثم يلتقيان أسفلها مع نهر العين الأخرى العليا وقد بنيت على شط نهرهما المجتمع بيوت أرحى تتصل على شط موضوع وسط النهر كأنه سد ومن مجتمع ماء هاتين العينين منشأ نهر الخابور.
وبمقربة من هذه الخانقة بحيث تناظرها مدرسة بازائها حمام وكلاهما قد وهى واخلق وتعطل وما أرى كان في موضوعات الدنيا مثل موضوع هذه المدرسة لأنها في جزيرة خضراء والنهر يستدير بها من ثلاثة جوانب والمدخل إليها من جانب واحد وامامها ووراءها بستان وبإزائها دولا ب يلقى الماء إلى بساتين مرتفعة عن مصب النهر. وشأن هذا الموضع كله عجيب جدا فغاية حسن القرى بشرقي الأندلس أن يكون لها مثل هذا الموضع جمالا أو تتحلى بمثل هذه العيون ولله القدرة في جميع مخلوقاته. [1] الخانقة: الزاوية، التكية.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 218