اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 214
ذكر مدينة نصيبين حرسها الله
شهيرة العتاقة والقدم ظاهرها شباب وباطنها هرم جميلة المنظر متوسطة بين الكبر والصغر يمتد إمامها وخلفها بسيط أخضر مد البصر قد أجرى الله فيه مذانب من الماء تسقيه وتطرد في نواحيه وتحف بها عن يمين وشمال بساتين ملتفة الأشجار يانعة الثمار بنساب بين يديها نهر قد انعطف عليها انعطاف السوار والحدائق تنتظم بحافتيه وتفيء ظلالها الوارفة عليه فرحم الله أبا نواس الحسن بن هانىء حيث يقول:
طابت نصيبين لي يوما فطبت لها
...
يا ليت حظى من الدنيا نصيبين
فخارجها رياضي الشمائل أندلسي الخمائل يرف غضارة ونضارة ويتالف عليه رونق الحضارة وداخلها شعث البادية باد عليه فلا مطمح للبصر إليه لا تجدالعين فيه فسحة مجال ولا مسحة جمال. وهذا النهر يتسرب إليها من عين معينة منبعها بجبل قريب منها تنقسم منها مذانب تخترق بسائطها وعمائرها ويتخلل البلد منها جزء فيتفرق على شوارعها ويلح في بعض ديارها ويصل إلى جامعها المكرم منه سرب يخترق صحنه وينصب في صهريجين أحدهما وسط الصحن والآخر عند الباب الشرقي منه ويفضى إلى سقايتين حول الجامع.
شهر ربيع الأول من سنة ثمانين عرفنا الله بكرته
استهل هلاله ليلة الثلاثاء بموافقة الثاني عشر من يونيو ونحن بالقرية المذكورة فرحلنا منها سحر يوم الثلاثاء المذكور ووصلنا نصيبين قبل الظهر من اليوم المذكور.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 214