اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 194
المتظم بين لبتين[1] فيه تردها ولا تظمأ وتتطلع منها في مرآه صقيلة لا تصدا والحسن الحريمي[2] بين هوائها ومائها ينشأ هي من ذلك على شهرة في البلا معروفة موصوفة ففتن الهوى إلا إن يعصم الله منها مخوفة.
وأما أهلها فلا تكاد تلقى منهم إلا من يتصنع بالتواضع رياء ويذهب بنفسه عجبا وكبرياء يزدرون الغرباء ويظهرون لمن دونهم الأنفة والاباء ويستصغرون عمن سواهم الأحاديث والأنباء قد تصور كل منهم في معتقده وخلده أن الوجود كله يصغر بالإضافة لبلده فهم لا يستكرمون في معمور البسيطة مثوى غير مثواهم كأنهم لا يعتقدون أن لله بلادا أو عبادا سواهم يسحبون أذيالهم أشرا وبطرا ولا يغيرون في ذات الله منكرا يظنون أن أنسى الفخار في يسحب الإزار ولا يعلمون أن فضله بمقضتى الحديث المأثور في النار يتبايعون بينهم بالذهب قرضا وما منهم من يحسن لله قرضا فلا نفقة فيها إلا من دينار تقرضه وعلى يدي مخسر للميزان تعرضه لا تكادتظفر من خواص أهلها بالورع العفيف ولا تقع من أهل موازينها ومكاييلها إلا على من ثبت له الويل في سورة التطفيف لا يبالون في ذلك بعيب كأنهم من بقايا مدين قوم النبي شعيب فالغريب فيهم معدوم الأرفاق متضاعف الإنفاق لا يجد من أهلها إلا من يعامله بنفاق أو يهش إليه هشاشة انتفاع واسترفاق كأنهم من التزام هذه الخلة القبيحة على شرط اصطلاح بينهم واتفاق فسوء معشارة أبنائها يغلب على طبع هوائها ومائها ويعلل[3] حسن المسموع من أحاديثها ومائها استفغر الله إلا فقهاءهم المحدثين وعاظهم المذكرين لا جرم أن لهم في طريقة الوعظ والتذكير ومداومة التنبيه والتبصير والمثابرة على الإنذار المخوف والتحذير مقامات تستنزل [1] اللبة: موضع القلادة من الصدر. [2] الحريم: النساء. [3] يعلل: يضعف.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 194