اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 192
ثم رحلنا منها ونزلنا عشي النهار بقرية تعرف بزريران وهذه القرية من أحسن قرى الأرض وأجملها منظرا وأفسحها ساحة واوسعها اختطاطا وأكثرها بساتين ورياحين وحدائق نخيل وكان بها سوق تقصر عنه أسواق المدن وحسبك من شرف موضوعها[1] أن دجلة تسقى شرفيها والفرات يسقى غربيها وهي كالعروس بينهما والبسائط والقرى والمزارع متصلة بين هذين النهرين الشريفين المباركين.
ومن شرف هذه القرية أيضا أن بازائها لجهة الشرق منها إيوان كسرى وأمامها بيسير مداينه وهذا الإيوان بناء عال في الهواء شديد البياض لم يبق من قصوره إلا البعض فعايناها على مقدار الميل سامية مشرفة مشرقة وأما المداين فخراب اجتزنا عليها سحر يوم الأربعاء الثالث لصفر فعاينا من طولها واتساعها مراى عجيبا. ومن فضائل هذه القرية أيضا أن بالشرق منها بمقدار نصف فرسخ مشهد سلمان الفارسي رضى الله عنه فما ختصت تربتها بهذا الدفين المبارك رضى الله عنه إلا لفضل تربتها. والقرية على شط دجلة وهي تعرض بينها وبين المشهدالكريم المذكور وكنا سمعنا أن هواء بغداد ينبت السرور في القلب ويبعث النفس دائما على الانبساط والأنس فلا تكادتجد فيها إلا جذلان طربا وإن كان نازح الدار مغتربا حتى حللنا بهذا الموضع المذكور وهو على مرحلة منها فلما نفحتنا نوافح هوائها ونقعنا الغلة ببرد مائها احسسنا من نفوسنا على حال وحشة الاغتراب دواعي من الاطراب واستشعرنا بواعث فرح كأنه فرحة الغياب بالاياب وهبت بنا محركات من الاطراب أذكرتنا معاهد الاحباب في ريعان الشباب هذا للغريب النازح الوطن فكيف للوافد فيها على أهل وسكن!
سقى الله باب الطاق صوب غمامة
...
ورد إلى الاوطان كل غريب [1] أراد بموضوعها موضعها.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 192