اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 183
من الأرض وفي صفحه الأعلى ثقب نفاذ تخترقه الرياح ثم رحنا من ذلك الموضع وبتنا بوادي الكروش على غير غير ماء ثم أسرينا منه وأصبحنا على فيد يوم الأحد وهي حصن كبير مبرج مشرف في بسيط من الأرض بمتد حوله ربض يطيف به سور عتيق البنيان وهو معمرو بسكان من الأعراب ينتعشون مع الحاج في التجارات والمبايعات وغير ذلك من المرافق وهناك يترك الحاج بعض زادهم إعدادا للإرمال من الزاد[1] عند انصرافهم ولهم بها معارف يتركون أزودتهم عندهم وهذا نصف الطريق من بغداد إلى مكة على المدينة شرفها الله أو أقل يسيرا ومنها إلى الكوفة اثنا عشر يوما في طريق سهلة طيبة والمياه فيها بحمد الله موجودة في مصانع كثيرة ودخل أمير الحاج هذا الموضع المذكور على تبعئة وأهبة إرهابا للمجتمعين به من الاعراب لئلا يداخلهم الطمع في الحاج فهم يلحظونهم مستشرفين إلى مكانهم لكنهم لا يجدون إليهم سبيلا والحمد لله. والماء بهذا الموضع كثير في آبار تمدها عيون تحت الأرض ووجد الحاج فيها مصنعا قد اجتمع فيه الماء من المطر فانتزف للحين وامتلأت أيدي الحاج القمرين من غنام العرب بالمبايعة المذكورة فلم يبق مضرب ولا خيمة ولا ظلالة إلا والى جانبها كبش أو كبشان بحسب القدرة والوجد[2] فعم جميع المحلة غنم العرب وكان ذلك اليوم عيدا من الأعياد وكذلك عمتهم أيضا جمالهم لمن اراد الابتياع منهم من الجمالين وسواهم للاستظهار على الطريق وأما السمن والسعل واللبن فلم يبق إلا من تحمل أو استعمل منها بقدر حاجته.
وأقام الناس يومهم ذلك مريحين بها إلى ظهر يوم الإثنين بعده ثم أسروا نصف الليل ترتيب سيرهم المذكور قبل ونزلوا ضحوة يوم الثلاثاء الثامن عشر لمحرم وهو أول يوم من مايه[3] بموضع يعرف بالاجفر وهو مشتهر عندهم [1] الإرمال من الزاد: نفاده. [2] الوجد: الغنى. [3] مايه: مايو، أيار.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 183