اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 148
وسائر حجاج الآفاق لا يحصى عددها إلا محصي آجالها وأرزاقها إلا إله سواه فمن الآيات البينات أن يسع هذا الجمع العظيم هذا البلد الأمين الذي هو بطن واد سعته غلوة أو دونها ولو أن المدن العظيمة حمل عليها هذا الجمع لضاقت عنه. وما هذه البلدة المكرمة فيما تختص به من الآيات البينات في اتساعها لهذا البشر المعجز إحصاؤه إلا كما شبهتها العلماء حقيقة بأنها تتسع لوفودها اتساع الرحم بمولودها وكذلك عرفات وسائر المشاهد المعظمة بهذا البلد الحرام عظم الله حرمته ورزقنا الرحمة فيه بكرمه وفضله.
ومن أول هذا الشهر المبارك ضربت دبادب الأمير بكرة وعشية وفي أوقات الصلوات كأنها شعار بالموسم ولا يزال كذلك إلى يوم الصمود إلى عرفات عرفنا الله بها القبول والرحمة.
وفي يوم الإثنين الخامس أو الرابع من هذا الشهر وصل الأمير عثمان بن علي صاحب عدن وخرج منها فارا إمام سيف الإسلام المتوجه إلى اليمن وركب البحر في جلاب كثيرة مشحونة بأحوال[1] عظيمة وأموال لا تحصى كثرة لأنه طال مقامه في تلك الولاية واتسع كسبه وعند خروجه من البحر بموضع يعرف بالصر لحقت جلبه حراريق الأمير سيف الإسلام فأخذت جميع ما فيها من الاثقال وكان قد استصحب الخف النفيس الخطير مع نفسه إلى البر وهو في جملة من رجاله وعبيده فسلم به ووصل مكة بعير موقرة متاعا ومالا دخلت على أعين الناس إلى داره التي ابتناها بها بعد أن قدم نفيس ذخائره وناضرة ماله وحملة رقيقه وخدمه ليلا.
وبالجملة فحاله لاتوصف كثرة واتساعا والذي انتهب له أكثر لأنه كان في ولايته يوصف بسوء السيرة مع التجار وكانت المنافع التجارية كلها راجعة إليه الدخائر الهندية المجلوبة كلها واصلة إلى يديه فاكتسب [1] الأحوال: أراد بها الثروات.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 148