هوائها طيب وجوها موافق وماؤها من خليج عذب فرات. يطلع بها الفواكه من كل فن: من فواكه الهند الفوفل والنارجيل، ومن فواكه الساحلية قصب السكر والموز، ومن فواكه العراق الرمان والعنب ومن النخل جمل، ومن ديار مصر الليمون والاترنج والنارنج ومن السند النبق، ومن الحجاز والدوم وهو المقل. وجميع سكانها حضارم انتقلوا من بلادهم وسكنوا بها. ومأكولهم السمك والذرة والكنب، ومطعوم دوابهام السمك اليابس وهو العيد. ولم يزبلوا أراضيهم إلاّ بالسمك، ويقال إنّما يقعدون الهريسة إلاّ بلحم السمك لا غير. ونساؤهم سحرة يمشون من ظفار إلى الجاوة الميل في ليلة واحدة لنهم في قرب جزيرة سقطرى، والمسافة فيما بينهما يومين وليلة في البحر. وأهل الجزيرة يودون القطعة لابن الحبوضي.
ذكر جزيرة سقطرى
يقال: إنّ في قديم الزمان كان جميع هذه الأمكنة بحر لا غير، وكانت سقطرى ما بين البحر والبر فلما فتح الله الفم من مقابل الجبل غرق البحر إلى باب المندب ما بين عدن وزبيد ووقف الماء عنده، فلما فتح باب المندب وقف أواخر بحر قلزم. وجبل سقطرى صار الآن جزيرة في لحج البحر يصح دور الجزيرة أربعون فرسخا ونيفا وليس في جميع هذه البحار الحمامي قال: يصح دورها ثمانون فرسخا ونيف وليس في جميع هذه البحار اكبر منها جزيرة ولا أطيب منها وهي ذات نخل وبساتين وزروع ذرة وحنطة، وبها إبل وبقر وضأن ألوف مؤلفة. وفيها مياه سائحة على وجه الأرض وهو عذب فرات، وهو خليج كبير ينبع أوله من الجبال طويل عريض ويغلب ما فضل منه البحر ذات أسماك. ويطلع منه شجر الصبر السقطري ودم الأخوين، ويوجد في سواحلها العنبر الكثير. وسكانها قوم نصارى سحرة، ومن جملة سحرهم إنّ سيف الإسلام جهز إلى الجزيرة والأصح سيف الدين سنقر مولى إسماعيل بن طغتكن خمس شواني ليأخذوا الجزيرة فلما قربوا القوم من الجزيرة انطمست الجزيرة عن أعين القوم وصاروا صاعدين محدرين طالعين ونازلين ليلا ونهارا أياما وليالي فلم يجدوا للجزيرة حس ولا وقعوا للجزيرة على خبر فردوا راجعين. ويقال إنّ الروم الملاعين يكتب في كتبها عن الجزيرة يعني سقطرى: الجزيرة المحروسة بأرض العرب. ذكر السبعة الطيور
قد ذكر مؤلف كتاب الرهمانج إنّه إذا شاهد مسافر في هذا البحر سبعة طيور في لجج البحر يعلم إنّه مقابل جزيرة سقطرى وكل من جاز ويجوز هذا البحر وقطع جزيرة سقطرى يرى السبع طيور ليلا ونهارا وصباحا ومساء، ومن أي صوب اقبل المركب يستقبلونه الطيور وأمير المؤمنين يجدوهم أحد مستدبرين، وهذا دائم ولم يتوهم أحد لا ثمانية ولا تسعة ولا ستة طيور بل سبعة كاملة، وهذا من جملة العجائب وكم قد فكرت العلماء فيهم فلم يجد عند أحد منهم ما الحكمة فيهم ولا كيف قصتهم ونعتهم. قال أبن المجاور: سافرت من الديبول إلى عدن في مركب الناخوذا خوجة نجيب الدين محمود بن أبي القاسم البغوي شركة الشيخ عبد الغني بن أبي الفرج البغدادي آخر سنة ثمان عشرة وستمائة ورأيت الطيور السبعة في لجة البحر، فلما أصبحنا رأينا الجزيرة. وفي الجزيرة أربع مدن كبار منه السوق وفاتك وموري وما حولها من القرى قرية ما شاء الله. وهي جزيرة والجبل مستدير حوله وقد صعد ذروة الجبل إلى الأفق، وقد سكن الجبل قوم جبالية عصاة على أهل الوطاء. وهي ذات مزارع وعمائر ومدن وقرى لم يعرفوا بعضهم بعضا. وقد علق كل في عنقه صليب كل على قدره. وفي أطراف الجزيرة سواحل كثيرة مثل بندر موسى. ورأس ما في سقطرى وغاية معاش أهل هذه السواحل مع السراق لان السراق ينزلون عندهم ويقيمون عندهم مدة ستة شهور يبيعون عليهم الكسب ويأكلون ويشربون وينيكون نساءهم، وهم قوم جلح قوادون وعجائزهم أقود من رجالهم وفي رجالهم من أقود من اسود في رأس جمل هائج. كما قال الشاعر:
عجوز لو رميت في قعر بحر ... أتت للبر قائدة لحوت
تقود من السياسة ألف بغل ... إذا جروا بخيط العنكبوت