سرير ملك حضرموت. وهذا الإقليم هو مسكن حضرموت بن قحطان بن عيبر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام. وبئر برهوت وهو بئر تستجمع فيه أرواح أهل النار نعوذ بالله منها، ومن يهدي الله فلا مضل له: (ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يظلل فلن يجد له ولياً مرشداً) ، ولا تزال النار تخرج منه طول الدهر. وكتب والدي محمّد بن مسعود أبن علي بن أحمد بن مجاور البغدادي النيسابوري لجعفر بن عبد الملك بن عبد الله بن يونس الخزرجي الجرجاني يهدده ويهيبه فقال: أنا رجل برهوت وأنا سلم جهنم. وليس علم الكون فساد اخشن ناسا من أهلها ولا أكثر من شرهم واقل من خيرهم كثيرين الذم لبعضهم بعضا قليلين الذمة على من يستجير بهم كثير الدم من المقتولين: زيد يشتم عمراً وعمرو يكلا زيدا ونصر يستبيح مال عمرو وجعفر يلاكم خالداً ووليد يعربد على جاره وذا ينبش من هذا وذلك ينهش من هذا أدبار مداير انحاس مناحيس مفاليس. كما قال أبو نواس رحمه الله:
قالوا ذكرت ديار الحي من أسد ... لا در درك قل لي من بنو أسد
ومن تميم ومن قيس وأسرتها ... ليس الأعراب عند الله من أحد
وقال أيضاً:
دع الأطلال تنسيها الجنوب ... وتبلى جد عهدتها الخطوب
وخل لراكب الوجناء أرضا ... تجر بها النجيبة والنجيب
بلاد نبتها عشر وطلح ... وأكثر صيدها ضبع وذئب
فلا تأخذ على الأعراب لهوا ... ولا عيشا فعيشهم جديب
دع الألبان يشربها رجال ... رقيق العيش بينهم غريب
وأطيب منه صافية شمولا ... يطوف بكأسها ساق أديب
ولهذا سمي إقليم حضرموت الوادي المفتون، وسماه الله عز وجل الأحقاف كما قال الله عز وجل في قصة النبي هود عليه السلام: (إذ أنذرَ قومهُ بالأحقافِ) والأحقاف هذه البلاد ة الأراضي بعينها. مأكولهم العيد وهو سمك صغار مع السكب واللبن يشابه الخردل في اللون. ولبس رجالهم الأزرق مكشوفين الرؤوس حفاة ولبس نسائهم الفتوحي، ويصبغ الثوب بالزاج ويرجع اللون لا أخضر ولا أزرق إلاّ لون عجيب. وتضفر النساء رؤوسهم في أوسط رؤوسهم ترجع تشبه الهدهد يسمونه الطرطر وسحاب وكاب فداري أتطاعين الضفائر سأبين عسا سل القدور ذات المكدر. وأسامي رجالهم بالكنى فمنهم أبا لالكة وأبا هالكة وأبا مداس وأبا فارس وأبا رأس وأبا عري وأبا حصى وأبا خرى وأبا عوف وأبا بول وأبا فقوق وأبا دقوق وأبا حل وأبا حبل وأبا فيل وأبا مل وأبا ريق وأبا بريق وأبا خيف وأبا دليف وأبا كتيف. ومنهم جري على ألسنتهم يكنونه به ولم يأنفوا من تلك الأسامي. وكذلك الدياكلة وأهل الموصل وبعض العرب وأهل نهاوند وبعض اليمن وأهل عسفان. فصل
قدم في أيام سيف الإسلام طغتكن بن أيوب مراكب الشحر وحضرموت إلى عدن، وصارت مشايخ الفرضة تسأل أحدهم عن اسمه فيقول: أبا حجر أبا خرى أبا كوة أبا قسوة أبا شعرة. فأبى المشايخ أن يكتبوا أسمائهم في الدفاتر وتخلص كل قماش هو في الفرضة إلاّ متاع الحضارم بقى في الفرضة يداس تحت أرجل الخلق. فلما طال الشوط وأرجع السوط ناد الصوت إلى سيف الإسلام أحضر المشايخ عن تأخير التخلص والتملص والتجعمص من الحضارم. قال المشليخ: إنّا لسنا نوقع أسماء القوم في دفاتر السلطان. قال: ولم؟ قال: لأن أسمائهم دونة. قال سيف الإسلام: إذا كرهتم أن تكتبون أسمائهم فكيف آخذ منهم العشور؟ فأطلق شأنهم وخلى سبيلهم. فصل
قيل لرجل من الحاكة: قد رزقت ولدا فأختر له كنية. فقال: كنوه عبد رب السموات السبع ورب العرش العظيم. فقال الرجل: أبن من؟ قال: أبن عبد الكريم الذي يمسك السماء أن تقع إلى الأرض إلاّ بإذنه. فقال: مرحبا يا نصف القرآن العظيم. وأعجب من ذلك إنّ رجلا من العجم مسكنه أذربيجان سمى ابنه عبد من الأرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه. حدّثني منصور بن المقرب بن علي الدمشقي قال: إنّ أصل أهلها عبيد وموالي فلذلك فيهم حماقة وكبر خارج، وليس في جميع الربع المسكون أشح منهم نفسا ولا اقل همة. وقد تفرقوا في سواحل البحر جميعا وتشتتوا في أقاصي الأرض وأدناها يمين ويسار كما قال: