حدّثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: أوّل من ابتدأ في حفر البئر رباح أي فرد وحفر بيده الأرض إلى أن نبع ماء عذب حول عقل الساب يصح غمقها نحو أربعة اذرع لا غير. فلما رأت الفرس صورته بالحجر والجص. وهو عن البلد نحو شوط خفيف بين نحل باسقات شامخات فبقي مستقى أهل غلافقة، ومن يصل من المراكب الصادرة والواردة على مائها فلم يقل منه شيء. فعرفت البئر بالرحبانية يعني الفرد الذي ابتدأ في حفره، ويقال بل كان الرباح اسم رجل ولم يكن فرداً. وهذه البلدة فرضة الكارم إذا وصلوا من ديار منصر، ويجلب منها الحشيش الأخضر للخضر والزنابيل والسمك العربي وغيره وضيراك ورعيد والمراوح والفار والقرش والبياض والعربي والمخنف والفرا والسفية والطويلة. ويكون لها فرج على هيئة فروج النساء ولم تشترى من الصياد حتى يحلف إنّه لم يطأها، ويباع لحمها بالميزان لأجل الدواء. والسفية ذات صدف والصبايا والمرح. وجميع هذه الأسماك ترفع إلى زبيد ويسمونه الملتح. وضمان سوق السمك بزبيد كل يوم ثلثة عشرة دنانير ملكية والله سبحانه وتعالى اعلم. جزيرة فرسان
ما بين دهلك وحلى أبن يعقوب، وبها مدينتان عامرتان إحداهما سور والثانية جدة بناها الفرس والأصح بناها مالك بن زهير أهلها صلاح أتقياء. ويجري بين الفريقي نهر كبير عريض صافي عذب خفيف صحيح أوّله عين ويقال ماء تراب. وقنبت على شاطئ النهر شجر وخضر وحشائش ألوان مختلفة ويزرع فيها من جميع الحبوب والخضراوات. وعندهم من سائر الدواب الأهلية مثل البقر والماعز والضأن والإبل والدواب، ويوجد عندهم من سائر الأسماك ودواب البحر. وقد خص الله سبحانه وتعالى أهل هذه الجزيرة إذا طلعت الشمس مقدار قامة يدوى الجو وحينئذ يخرج كل من في القرية إلى ظاهر القرية يصطفوا على شاطئ البحر، وينزل على القوم بعد ساعة طير شبه الخرق ويقال شبه السمان مائة ألف طير، فإذا حصل في شاطئ البحر لم يقدر أحدهم على الطيران فيأكل كلٌ كافيته وعلى قدر حاله تذبيحا وتطبيخا. ولم يوجد في سوى اللحم والشحم شيء آخر ويكون عيش القوم طول الدهر به ولم يمل أحد من أكله مع مداومته لأنّه لحم خفيف طيب مرئ. قات: وما يسمى؟ قال: السلوى. وهو الذي قال الله عز وجل: وأنزلنا عليهم المن والسلوى. فقلت للراوي: كم يكون دور الجزيرة؟ قال: مسيرة يوم كامل لرجل طراد. حدّثني بدر مولى بشر الصوفي بذلك.
ذكر جزيرة الغنم
وذلك في بر السودان ما بين عيذاب إلى بحره جزيرة تسمى جزيرة الغنم مائة ألف رأس غنم بها واكثر من ذلك وجميعها وحشية. وكان الموجب لذلك ما ذكره ريحان مولى علي المجاور قال: إنّه قدم مركب في بعض مدن الودان شحنته غنم وكباش وأرسلوا بهذه الجزيرة فزخر الريح عليهم. فلما طال الشوط في المقام عليهم اخرجوا الغنم في الجزيرة لترعى مع طول المقام فطاب للقوم الريح على غفلة فركبوا الكباش المراكب ونسوا تسع ثمان رؤوس منها في الجزيرة فلم يمكن القوم أن يدورون عليهم لضيق أخلاق الربان فشال القوم شراعهم وساروا بالسلامة. وبقية الغنيمات في الجزيرة فتناكحوا وتناسلوا مع طول الأيام فكثروا واستقطعوا الجزيرة فعرفت الجزيرة بهم وصاروا الآن إذا أرسى بهم مركب لم يقدروا إنّ يصطادوا من تلك الأغنام شيء إلاّ بعد جهد عظيم مع القوس والنشاب وقد لا يحصل لهم شيء لأنّهم قد صاروا وحشيين يسقوا الغزال وهم ملء تلك الجزيرة إلى الآن والله اعلم بالصواب.
ذكر جزيرة الناموس
وكذلك جزيرة الناموس. حدّثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: إنّما بين جزيرة دهلك وعقيق جزيرة ملؤها نامس لم يسلكها ولم يسكنها أحد من خلق الله من كثرة النامس الذي بها والله اعلم.
من زبيد إلى الاهواب
من زبيد إلى المسلب فرسخ، ويقال إنّما سمية المسلب لان نساءها يسلبون العقول من حسنهم وجمالهم وظرافتهم. كما قال:
سقى الله ربات الحصيب وربعها ... فما الحسن إلاّ حوته ربوعها