ولمّا كان في سنة تسع وعشرين وأربعمائة بنى الصليحي في رأس مسار وهو أعلى ذروة في جبال حراز، وكان معه سبعون قد بايعهم بمكة في الموسم سنة ستة وعشرين وأربعمائة على الموت والقيام بالدعوة، ومنهم إلاّ من هو مع قومه وعشائره في منعة وعدد كثير، ولم يكن برأس الجبل بناء بل كان قلة قاسية منيعة. فلما ملكها لم ينتصف النهار الذي تملكها في ليلته إلى وقد أحاط به عشرون ألف ضارب سيف فحاصروه وشتموه وقالوا له إما نزلت وإما قتلناك أنت ومن معك بالجوع. فقال لهم: ما فعلت ذلك إلى خوفا عليكم أن يملك هذا الجبل علينا وعليكم فان تركتموني أحرسه لكم وإلا نزلت إليكم. فانصرفوا عنه ولم تمض له ستة أشهر حتى بناه وحصنه وأتقنه. وبقي الصليحي في مسار وأمره يستعلى من سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وكان يخاف نجاحا صاحب تهامة ويلاطفه ويستكين لأمره، ولم يزل الصليحي يعمل على نجاح حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه وكانت وفاة نجاح بالكدراء في عام اثنين وخمسين وأربعمائة. وفي عام ثلاث وخمسين كتب الصليحي إلى الأمام المستنصر بالله يشاوره في إظهار الدعوة فعاد الجواب إليه بالأذن. ففي ذلك طوى البلاد طيا وفتح الحصون والتهائم، ولم تخرج سنة خمس وخمسين ولم يبق عليه من اليمن سهلا ولا عرا ولا برا ولا بحرا إلاّ فتحه وذلك أمر لم يعهد مثله في الجاهلية والإسلام! قال: وبيان من زبيد حصن مسار يمين القبلة ويسار المشرق على أعلى ذروة الجبل شبه أكمة عالية مشرفه على التهائم. وفي سنة خمس وعشرين وستمائة ملكه الشريف عماد الدين يحيى بن حمزة وهو الآن في قبضته وتصرفه. وإلى الجبلين ثلاثة فراسخ. وإلى سوق القباب ثلاثة فراسخ في أوسط وادي سارع. حدّثني سليمان بن منصور قال: إنّ أهلها كتبوا على باب مسجدهم: من أمسى في مسجدنا هذا فلا يراعى منا عشاء. فصل
حدث يوسف بن يحيى عن أبيه عن غسان عن أبي عبيدة بن جهيم بن خلف قال: أتينا اليمامة ونزلنا على مروان بن أبي حفصة فأطعمنا تمرا وأرسل غلامه بفلس وسكرجة يشتري له زيتا، فلما جاءه بالزيت قال: خنتني من فلس واحد. قال: كيف أخونك؟ قال: أخذت الفلس لنفسك وأستوهبت زيتا فأنت ابخل الناس. وقال فيه:
وليس لمروان على الغرش غيرة ... ولكن مروانا يغار على الفلس
وإلى طرف نظار ثلاثة فراسخ. وإلى ربض أربعة فراسخ. وإلى لاعة أربعة فراسخ. وإلى المخالفة فرسخين. وإلى حجة أربعة فراسخ. حدّثني يحيى بن علي بن عبد الرحمن الزراد قال: إنّ في الجبال خيال لا يزال البرق يضرب أطرافها إلى أن رجع ضرس قائم بنى على حصن مانع مثل الدملوة وحب والتعكر وبكور، وما يضرب البرق على حصن عامر إلاّ هدمه وأخرب حضنه ودحضه إلى أن خلاه مع الأرض مستويا. فإذا جاز على جبل من هذه الجبال قوم من أعراب الأعمال يقول زيد لعمر: هذا حصن نصر بن جعفر وهذا منزل خالد بن الوليد، خرب من كذا وكذا سنة. ولم يكسر جبال اليمن ويدحضها إلى دوام البرق وهذا أعجب شيء يكون.
من زبيد إلى غلافقة
من زبيد إلى القرشية فرسخ، ومنها ظهر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وهو من جلة الصحابة وأحد الحكمين الذين حكمهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. فصل
أهل الزريبة والعنبرة والهرمة والقرشية، لم تظهر بهذه القرى بنت إلاّ إذا عقد نكاحها وقطع مهرها وسلم دفعها وبعد ذلك تظهر البنت بطبل وزمر على رؤوس الأشهاد بالمهامين والضيافات والطرح والتسليم. فسؤل عن فعلهم، قالوا: نخاف نظهر طفلة فإذا كبرت رأت نبتها وخدها وقدها ونهدها مع أعكامها مليحا يعجبها حسنها فتحتاج إلى أن تخرج عن الطريق إلى غير الطريق، بل نخليها على حالها فإذا رأت فلقها طويلة وهي مع وصحه رهكة كريهة الرائحة وحشة المنظر تخمد نارها ويقل طلابها لأجل ما معها من طول الغفلة فإذا مهرها ظهرت فأدخلت على بعلها هين لين. ويقال إنّ جميع بلاد الشامية عن زبيد على هذا السنن والغرض بطول وبعرض. وإلى خبت نفحان فرسخين، من حدود المحالب وليس في تلك الأراضي أكثر توهجا منه. وإلى غلافقة فرسخين.
بناء غلافقة