ويجري منه إلى وادي إلى الأرض فمن حدة جريانه مع طول المدى حفر الأرض إلى البيوت وكثرت عليه السيول وأملي ماء فرجع بحيرة ما ينقص منه الماء، ولو غرف منه أهل البادية وسقى واستسقى منه الأموال والنعم لمّا نقص منه الماء ولا بان منه مقدار إصبع. وفيه قتل قيس بن زهير بن جذيمة أبن أبي سفيان أولاد عمه لأنّه وصل إليهم فوجدهم يسبحون فركب السيف عليهم وقال: إنّ ماء الهباءة أورثني الذل ورحت ظالما أو مظلوما. وقال:
شفيت النفس من حمل بن بدر ... وسيفي من حذيفة قد شقاني
فان أكو قد شفيت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني
وبها قتل عنتر بن ربيعة بن زبيبة أربعين فارساً من وجوه العرب. وهذا الماء مجتمع القبائل والفتن وبهذه الأماكن مسكن عنتر بن زبيبة وقيس بن زهير وعمرو أبن معدي كرب وغيرهم من كبار العرب ورؤساءها. قال الراوي: ونجد في الفلاة نجد حيث لا عمارة ولا سكن قبور بنيت بالآجر والجص ألوف مؤلفة لم يعلم أهل زماننا لمن تلك القبور. وعن محمّد بن أبي حامد قال: حدثني أبو بكر الشاعر إنّه قرأ على قبر:
الموت أخرجني من ديار مملكتي ... فالتراب مضطجعي من بعد تتريفي
لله عبد رأى قبري فأحزنه ... وهاب من دهره ريب التصاريف
هذي مصير ذوى الدنيا وإنّ جمعوا ... فيها وغرهم ريب التساويف
أستغفر الله من عمدي ومن خطأي ... وأسأل الله عفواً يوم توقيفي
ومن جملة القصور حجر عبد الله قصر بني على أكمة عالية بالحجر والجص وبالآجر والجص وبعد بالآجر والجص، وبعده قصر عنتر بني بالحجر والجص والآجر والجص بناء وثيقاً محكماً، وبعده بئر العاصمية. صفة بئر العاصمية
بنيت على أربعة وعشرين عمودا ستة أعمدة مقابل سنة وهي مربعة وطوى ما بعده بالحجر والرخام طول كل حجر منه عشرون ذراعاً بالجص مدرج ينزل إليه بدرج، ومن يوم بنيت إلى هذه الغاية ما نزفت ولا وجد لها قرار. وهو بناء عجيب لب أعمال سلات. وبعده مدينة الهجرة خرب البلد وبقي في أوسطه القصر عامر سكان بأهله وقد حفر في أوسطه بئر يروي منه العرب إبلها وظعنها. ومشرق العاصمية قصر الصبية. والنخل مستدار حول القصور ليسكن بل لذخر متاعهم من السمن والأقط كل ما يصل إليهم سيله. وهو على هذا الوضع والله اعلم.
ذكر أودية نجد
الحساء واليمامة وتحت منه الأكيك وذات الحرمل، وهذه الأماكن أودية مشرفة والعواهل والعويهل نهن وسهل وجاش وعشرون الرمل ما بين هجران والهجيرة ووضع ما بين الهجيرة ومكة. فإذا كان فضل الغيث وأورى ظعنه وكل يطلب أرضه وفلاته بروايا المحلة. وفيه يقول:
لولا شفاها ذا طرز زمانها ... وحمل الروايا كان من جاء يفرس
وقال آخر:
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والأقدام قتال
وهذه العشرة والأودية إذا مطرت جرت في فلات نجد ويصل أواخرهم إلى البحر المالح.
ذكر الكرم
قال حكيم: الكرم هو دينار عشرون قيراطا منه للعرب وأربعة قراريط منه في سائر الأمم والعالم. والبخل هو دينار وعشرون قيراطا منه في الروم ويقال في الهنود والأصح في المغاربة وأربعة قراريط منه في سائر العالم. ويقال أوّل من أطعم الكسرة إبراهيم الخليل عليه السلام فهي سنته. ويقال ثلاثة هم أصحاب الأعراف: أبو طالب لتربيته النبي (وانوشروان لعدله وحاتم لكرمه. ويقال إنّ بعض العرب شرع في طعم الكسرة وأراد أن يعادل حاتما في زمانه فجاء إليه ضعيف يطلب منه فأعطاه ما سأل فرجع السائل إليه ثانية وثالثة ورابعة وخامسة. فقال المدعي: يا أخي كف فما أنت إلا قليل الوفاء كثير الجفاء هذه لك خامس مر أو سادس مرة. فقال السائل: إنّ حتما بنى قصرا ز فتح به أربعمائة طاقة والله إني كنت ادخل في كل يوم من كل طاقة أربعمائة مرة بلا عاقة وكنت أكون في الأول شبه الساقة. كما قال:
أجاد جميل مرة بعد مرة ... وما الجود إلا عادة لجميل