ولد لحصيص بن حصن ولد في مأرب أمسى علمه في حضرموت مسيرة ثمانية أيام لأن كل ناظور زرع كان يخبز صاحبه إما الخبز بحضرموت وذلك من عمارة البلاد وكثرة العباد. بأعمال حضرموت العواهل جبل يسمى المعدن وهو معدن الفضة وجبل يسمى سرواح معدن الذهب وترابه اصفر يشبه الزرنيخ لم أهل زماننا هذا عمله. ويقال إنّ قوم عاد كانوا يستخرجون الذهب والفضة من هذين المعدنين وهم هذه الأعمال. ما بين إقليم العواهل ووادي بيحان جبل ملح لم يكتل عرب مذحج والبدو والبلاد إلا منه، ويقال بل يكتال منه عرب نجد وما حولها من البدوان. ويوجد بهذه الأراضي النعام والفهود والظباء والأيائل كثيرة. وجميع بناء القوم بالحجر الرخام المنحوت المنجور وكان ينقل في قديم العصر من قديم العصر من جبل يام وهو مقارب براشق مسيرة أربع فراسخ حصن أبيض.
من مأرب إلى الجوف
من مأرب إلى ورسان أربع فراسخ، بئر صغير من بناء قوم عاد. وإلى براقش أربع فراسخ، من أعمال الجوف. وإلى معين فرسخ. وإلى هرم فرسخ وفيه قال:
ما بين معين وهرم ... سبعون بئرا لابن نتم
مطوية بالساج من جوف القدم ... ما برحت لحم حاب لحم
غلبت عليها هذيل وعقيل وجشم
وإلى الجوف الأعلى أربع فراسخ، أرض بني دعام وبه من القرى العادية معمور درب الظالم والسوق ودار عصبة ووحسان وسعموم وصيهد والقاع يزرع به الحنطة والكمون، وكل هذه القرى عامرة بأهلها. ولا يزال القتال بينهم دائماً ومشانخ البلاد يدعون أموالهم بأرواحهم والضعفاء يزرعون ويحصدون. والتي هي خالية من السكان السوداء وحراضة ودرب بني محرم والعاصة. وفي الجوف السوداء والبيضاء ومعين وهرم وسرال وبراقش ودرب أقصى ومقعد الفيل والجار وبردا وحمضة وحمض والهجيرة والله اعلم. صفة هذه الأعمال
مساكن شداد وعاد والتبابعة والجبابرة، بناؤهم بالحجر والرخام والرصاص وشيء منها نقر في الجبال كما قال الله عز وجل: (وتنحتون من الجبال بيوتا آمنين) . ويقال إنّه كان يلين لهم الحجر في العام شهر زمان والأصح عشرة أيام ففي هذه المدة كانوا يعلمون منه ما أرادوا، فلما كفروا بنعمة الله عز وجل خسف بهم وتفرق شملهم وتشتتوا في أقاصي الربع المسكون وأدنى البحر المعمور شرقا وغربا وشمالاً وجنوبا. كما قال أبو نواس الحسن بن هانئ المعروف بالمذحجي في ذلك:
في فتية كالسيوف هزهم ... شرخ شباب وزانهم أدب
لمّا أراب الزمان فاقتسموا ... أيدي سبأ في البلاد فأنشعبوا
لم يخلف الدهر مثلهم أبداً ... على هناتٍ لشأنهم عجب
لمّا تيقنت إنّ روحهم ... ليس لها ما حييت منقلب
أبليت صبرا لم يبله أحد ... وأقسمتني مأرب شعب
فرجعت الدور قبور والمساكن مساكن فاردمت بعضها على بعض. وتقلعت النخيل والأشجار وطلع بدله العشر والأراك وسكنت البدوان ببيوتها الشعر وصارت الإبل ترعى بين عامر الخراب وتشرب ظباؤها من الندا، والسراب لبئس الشراب، وساءت مرتفقاً كما قال بعضهم في المعنى:
يا صاحبي قفا المطي قليلا ... يشفي العليل من الديار غليلا
هذهي طلولهم اطعن صبابتي ... وتركن قلبي من عراي طلولا
ولئن خلت منهم مرابعهم فقد ... غادرن قلبي بالغرام أهيلا
لو أن عبسهم غداة رحيلهم ... حملن وجدي ما أطقن رحيلا
إنّ الظعائن يوم جزع مفحش ... أبقين لي جزاع بها وعويلا
من كل رثم لا عديل لحسنها ... رحلت فكانوا للفؤاد عليلا
كالبدر وجها والغزال سوالفا ... والرمل ردفا والقناة ذبولا
ولآخر يقول:
يا قلب هل منك إن سليت سلوان ... أم أنت في غمرات الحب ولهان
ولله ما طاب لي عيش أسر به ... حتى يعود أصحابي كما كانوا
هيهات بانوا فلا والله ما طمعت ... نفسي بقربكم من بعد ما بانوا