وأول من بني الجامع معاذ بن جبل مع أهل الجند ومت حوله من القرى. وأعاد بناءه القائد الحسين بن سلامة، وجدده الأمير الفضل بن أبي البركات أبن الوليد سنة ثمانين وأربعمائة بالحجر المنقوش واللبن المربع. وأحرقه على أبن المهدي سنة أربع وخمسين وخمس مائة. ويقال إنّ الخلق سعت وشفعت في إبقاءه فقال: قد استوجب النار، قيل: لم؟ قال: لأنه قد خطب على منبره الإسماعيلية، يعني ملوك بني زريع أي ولاة عدن، فهم أنجاس ينجس الجامع بذكرهم وكل من هو نجس طهر وقد طهرناه بالنار. فأعاد بناءه سيف الإسلام ومع ذلك رفع سقوفه بالآجر والجص بعد أن ذهبه، وأجراه بالذهب واللازورد سنة ثلاثة وستمائة في دولة الملك الناصر بن طغتكين أبن أيوب. وقال حكيم: خذ من جامع تعز ومن جامع الجند السقف! ويجتمع في أوّل جمعة رجب في جامع الجند من كل الأعمال ناس يصلون فيه ويبلغ ذلك اليوم في الجامع مقدار ما يسع رجل واحد درهم فيقال دينار ليصلي ركعتي الجمعة ويكون فيه ذلك اليوم نور مشهود. وأهل الجند وما حوله من القرى يروون في فضل هذا المسجد أخبارا من جهة زيارتة في أوّل جمعة في رجب: تعدل عمرة، بل قالوا: حجة. ولم يزل الناس يزورونه في كل سنة في أوّل رجب حتى اثر ذلك 00وصار صفي الدين حاتم بن علي بن محمد بن المعلم حتى أسقاه في بطيخة ويقال إنّه اخذ إبرة مسمومة وغرز فيها خيط مسموم وصار يغرز الإبرة في جوانب النطيخة ويجرها والخيط معا، وجاء بها إلى سيف الإسلام وهو قائم على بناية المنصورة فجلا سكينا فوق البطيخة ليأكل منها. فتناول منه سيف الإسلام البطيخة فقطع وأكل وحس بالشر به فقال لعلي بن حاتم: الله المستعان على ما تصفون. فقال له: كل يا مولاي ما هو إلا خير. وغاب الشيخ حاتم بن علي بن محمد بن المعلم من ساعته، فأوجعه فؤاده ومات رحمه الله. حدثني عبد الله قال: إنّه كان يقرأ في النزع (ما أغنى عني مالي، هلك عني سلطاني، خذوه فغلوه، ثم في الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) إلى تمام الآية. وحدثني إنسان جبلي من آل الصليحي قال: إنّه قرأ: (الذي جمع مالاً وعدده، يحسبُ أنَّ مالهُ أخلدهُ، كلاَّ لينبذنَّ في الحطمةِ، وما أدراكَ ما الحطمةُ، نار اللهِ الموقدةُ، التي تطَّلعُ على الأفئدةِ، إنها عليهم موصدةٌ، في عمدٍ ممددةٍ) ، وصار يكررها إلى أن مات رحمه الله. بقيت البناية على حالها إلى أن توفى الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب فرد الأرضي على أربابها. ويقال إنّما ردها إلا بعد أن أسقى الشيخ علي بن حاتم بن علي بن محمد بن المعلم في زبيد ويقال إنّما سقى أبن المعلم إلا لإدراك سيف الدين سنقر بعد قتله الملك المعز في زبيد. فصل
كان يقال في زمان سيف الإسلام طغتكين بن أيوب: إنّه لا يموت حتى يملك القسطنطينية ويعمرها، فلأجل ذلك طال أمله في الدنيا وزينتها وأس المنصور فيما الفعلة يحفرون الأساس إذ خرج عليهم صخرة حجر عليه مكتوب: إنّ فلان بن فلان الشقي بنى مدينة قسطنطينية، قال ومات ودفن بتاريخ الشهر والسنة. فسأل عن اسمها الأصل، قالوا: إنّها تسمى قسطنطينية. قال: متنا ورب الكعبة! وسقي عليها ومات ودفن بمغربة تعز. وما أراد ببناء هذه البلد إلا إنّه يخزن فيها غلال الجبال على ما تقدم ذكره. فصل
نزل الأمير العز علي بن محمد الصليحي بقرية من أعمال المهجم يقال لها أم الدهيم وبئر أم معبد. قال سعيد بن نجاح: فلما دخلها المهجم لم يشعر بنا إلا عبد الله بن محمد بن علي فركب وقال لأخيه: يا مولانا اركب فهذا والله الأحوال بن نجاح. فقال علي لأخيه عبد الله: إني لا أموت إلا بالدهيم وأم معبد يعتقد إنّها أم معبد التي نزل بها النبي (حين هاجر ومعه أبو بكر. فقال له فلان بن فلان: قاتل عن نفسك فهذه والله بئر الدهيم بن عبس وهذا المسجد خيمة أم معبد بنت الحارث العبسي، فحينئذ قتل بها. وكان في طالع الملك المعز إنّه لا يقتل إلا في العراق بعد أن يملكها وأموي مزيل دولة بني العباس. فلما تيقن عنده ذلك قتل بوادي العرق من زبيد. وفيه أنشد المحنني يقول:
الموت في كل حين ينشر الكفنا ... ونحن في غفلة مما يراد بنا