حدثني عيسى بن أبي البركات بن مظفر البغدادي بمكة قال: إني قرأت في بعض الكتب أنه كان لبني سليم في الجاهلية نحل عظيم فكان إذا جاءهم عدو دخنوا في الأكوارات يعني النحل فكان يطير ويعلو الجو يبان لناظره شبه غمامة من كثرته فإذا تعلى انحدر ونزل على خيل العدو ونكد عليهم فعند ذلك تنهزم خيل العدو من بين أيديهم. وكان بنو سليم قد قهروا جميع أعدائهم بهذا الفن وبقوا على حالهم إلى أن أظهر الله عز وجل الإسلام وخرج النبي (ومن معه من الصحابة إلى هذه الأعمال، ففعلت بنو سليم ما تقدم ذكره فلما صعد النحل الجو وانحدر على عساكر الإسلام نادى النبي (فقال: أين يعسوب الدين؟ فلم يجبه أحد فقال: أين أمير النحل؟ فلم يجبه أحد فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فلما سمع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ذلك من لفظ النبي (جذب ذا الفقار وحمل على النحل فأدبرت النحل على أثرها راجعين على بني سليم ولدغتهم فهربت بنو سليم بين أيدي النحل إلى الجبال وبطون الأودية وفتح الله جبال بني سليم على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فلما إستتم الفتح واستقام النصر قال بعض الصحابة للنبي (: يا رسول الله شبهت علي بن أبي طالب باليعسوب وهو النحلة؟ فقال النبي (: المؤمن كالنحلة لا تأكل إلا طيباً ولا يخرج منها إلا طيب فمن ذلك الحين والواقعة لقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بيعسوب الدين أمير النحل. وإلى الآن من هذه الجبال نحل أي عسل يشتري منه الحاج والحجاز وبعض أهل اليمن.
ذكر وادي أنظر
قال ابن المجاوز: رأيت في المنام ليلة السبت سادس شعبان سنة أربع وعشرين وستمائة كأن إنسان يقول لي: إن في أعمال المدينة يثرب وادٍ مسروق وجبال وشعاب لم يفتهم لأحد كيف دخوله. قلت له: ما يسمى؟ قال: وادي أنظر. قلت: وما المعنى فيه؟ قال: إنه سأل إنسان شيخاً من أهل هذا الوادي فقال له: من أين الشيخ؟ فقال: من وادي أنظر. قلت: وما المعنى في هذا الاسم؟ قال: لأنه وادٍ للإسلام به عز. قات: ومن أين سكانه؟ قال: هم قوم من أولاد حام بن نوح علية السلام وهم مع ذلك قوم لا عرب ولا عجم ولا هند ولا حبش ولا ترك ولا نبط بل لهم لغة منهم وفيهم. قلت: فكم يصح دوره؟ قال: فرسخين أو مسيرة يومين. ولا يزل الأمير قاسم أبن المهنا بن جماز الحسيني يرعى إبله ونعمه فيه وأرضه ذات مزارع وعيون وأمن وسكون، وقد خلت من 000السبب في خلوها؟ قال: إن الله عز وجل قلب عاليها سافلها. قال ابن المجاور: وفي هذه الأيام قتل الأمير قاسم بن المهنا جماز ابن عمه شيحة وتولى يعد قتله الأمير هاشم بن قاسم على ملك مكة. ومع ذلك يمكن أن يكون هذا الوادي في هذه الأودية والجبال والشعب مسروقة لم يعلمه أحد من الأعراب سوى سكانه والعلم عند الله.
وإلى الخضراء من يثرب أبع فراسخ وبه أعين ونجيل ويسكن أهلها في أخدار الشعر إلى الآن. وإلى عين النبي (أربع فراسخ وهي عين جارية وعليها نخيل وهي أواخر الجبال والأودية وأول الفلاة والرمال وإلى عمق أربع فراسخ وبه أعين ونخيل، وأحرق نخلها الأمير عز الدين أبو عزيز قتادة بن إدريس سنة خمس عشرة وستمائة. وإلى نجد أربع فراسخ وتسمى مرك وهي أرض قفر وبها بركة عظيمة خلقها الرحمن، ويقال أغتسل بها ومن مائها النبي (فلا يزال الماء طول الدهر من بركات النبي (. وتمر على ثلثه جبال تسمى البرانين فإذا كنت طالب المدينة أترك جبلان منا على يسارك وإن كنت طالب مكة فأتركهما عن يمينك وأمش بالقرب من الجبال لكي لا تضل لأنه وادٍ فيه رمل أبيض يشابه دقيق السميد ولا شك أنه إلا في هذا المكان. وإلى بئر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أربع فراسخ وهي بئر عظيم البناء يروى الحاج منها ومن حولها من الأعراب ما عندهم من المواشي وغيرهم. وإلى قباء أربع فراسخ وكانت مدينة قبل المدينة وقيل بني في زمن النبي (وفي مسجدها قبتان إحداهما إلى المشرق والثانية إلى الكعبة لما أمر الله سبحانه النبي (أن يوجه وجهه نحو الكعبة لما قال: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) ثم إلى المدينة فرسخ بين نخل باسقات شامخات.
ومن مكة إلى الطائف