ومما ذكره عمارة بن محمد بن عمارة في كتاب المفيد في أخبار زبيدق إنّ جامع عدن بناء عمر بن عبد العزيز وجدده الحسين بن سلامة، والأصح إنّ ما بنى الجامع إلا الفرس. وكان السبب في بنائه انهم وجدوا في زمانهم قطعة عنبر كبيرة مليحة فأتى بها إلى صاحب عدن فقال لهم: وما اصنع بها؟ بيعوها وابنوا بثمنها جامعا فلست أرى درهما أحل من هذا الدرهم ولا يخرج في وجه أحق من هذا الوجه. فباعوا العنبر وأخذوا ثمنه بني به جامع عدن في طرف البلد، فان قال قائل: لم لا بني في وسط البلد؟ قلت: لأن في وسط مدينة عدن عين ماء ماد من البحر إلى المملاح، ولنا على قولنا دليل إنّ من بقايا العين موضع الملح الذي يجمد فيه الملح بالمملاح. قال أبن المجاور: ورأيت وراء حمام المعتمد رضي الدين محمد بن علي التكريتي إنّ سيلا عظيما غسل أرض الوادي فظهر به مدابغ جملة من أيام الفرس طانت قد علت عليها الأرض من طول المدى. وحدثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: إنّه ظهر عند حبس الدم بقرب جبل حقات حمام كبير عظيم ذو طول وعرض وقد كانت علت عليه الأرض من بناء العجم. وكانت الناس في أيام دولة العجم يجدون العنبر الكثير إلى باب المندب وكان الصيادون يجدونه فإذا مر بهم مركب أو تاجر يقولون له: تشتري منا حشيش البحر؟ يعنون به العنبر. ويقال إنّ الشيخ شبير الصياد وجد قطعة عنبر ولم يعرف ما هي فجاء بها إلى بيته فعازه الحطب فأوقدها تحت القدر عوض الحطب، فعلم به الناس فعرف الشيخ بوقاد العنبر. وقد أنقطع جميع ذلك في زماننا هذا من سوء ظننا وقبح فعالنا. (من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) . فعند زوال أيام العجم ملكها العرب. ذكر أخبار آل زريع بن العباس بن المكرم ولاة عدن
نسبتهم من همدان ثم من جثم بن بام بن أصبا وكان لجدهم العباس بن المكرم بن الذئب سابقة محمود في قيام الدعوة المستنصرية مع الداعي علي بن محمد الصليحي ثم مع ولده المكرم عند نزوله من صنعاء إلى زبيد وأخذ أمه أسماء بنت شهاب بن اسعد من الأحوال سعيد بن نجاح. وكان السبب في ملكهم لعدن إنّ الصليحي لمّا افتتحها وفيها بنو معن أبقاها في أيديهم فلما قتل الصليحي نافقت بنو معن في عدن فسار المكرم إليهم أحمد بن علي فافتتحها وأزال بني معن منها وولاها العباس ومسعود ابني المكرم وجعل مفر العباس تعكر عدن وهو يحوز البر والباب وجعل لمسعود حصن الخضراء وهو يجوز الساحل والمراكب واستحلفهما للحرة السيدة ابنة الملك أحمد لأن الصليحي كان قد اصدقها عدن حين زوجها من أبن المكرم سنة إحدى وستين وأربعمائة. ولم يزل خراج عدن يصل إليها وهو مائة ألف دينار ويزيد ولا تنقص إلى إنّ مات المكرم أحمد، ثم توفي لها بعد موت المكرم العباس ومسعود ابني المكرم. فلما ماتا تغلب على عدن زريع بن العباس وأبو الغارات أبن مسعود فسار المفضل بن أبي البركات إلى عدن وجرت بينه وبينهما حروب كان آخرها المصالحة على نصف خراج عدن. ولمّا مات المفضل تغلبت أهل عدن على النصف الباقي فسار إليهم اسعد بن أبي الفتوح أبن عم المفضل فصالحهم على ربع الخراج للحرة. ولمّا ثارت آل زريع في البكر تغلب أهل عدن على الربع الذي للحرة ولم يبق شيء لموت رجالها ولم يقدر على بن إبراهيم بن نجيب الدولة على شيء من ذلك والله اعلم واحكم.
ذكر ما شجر بينهم
نزل المفضل بن أبي البركات في بعض غزواته إلى زبيد وكان معه زريع أبن العباس وعمة المسعود بن المتكرم ولهما يومئذ صبيان في عدن فقتلا جميعا على باب زبيد. ثم تولى الأمر بعدهما بعدن أبو السعود بن زريع وأبو الغارات بن مسعود ثم ولي الأمر بعدهما الأمير الداعي سبأ بن أبي السعود ومحمد بن أبي بكر بن أبي الغارات ثم ولده على الأعز ثم علي بن أبي الغارات ثم الداعي محمد بن سبا وهو آخر بني داود ثم ولده عمران وصفت بعده لآل زريع محمد وأبي السعود ابني عمران وهما طفلان والله اعلم واحكم.
ذكر السبب في زوال ملك علي بن أبي الغارات وحصولها للداعي سبا