وهو نصف الطريق ما بين الحجاز واليمن وأول بطن عثر ويقال خبث عثر ويقال: كدمل وامرأته وحماره، وهم ثلاثة أجبال: جبل كدمل في البحر وفي لحفه جبل صغير يسمى الحمار ويقابله في البر جبل يسمى الكليتان والكليتان هي التي تسمى المأءة، فيقال: كدمل وزوجته وحماره. ولا شك إنّ هؤلاء كانوا جناً أو بني آدم مسخوا جالاً واحجاراً. وجبل كدمل هو في الأصل معدن الحديد. قال ابن المجاور: وكم سألت على إنّ أقع لهم على علم تحقيق فلم يحصل ذلك. وإلى بيض أربع فراسخ وهو وادي. وإلى الراحة أربع فراسخ، وتسمى محل أبي تراب وتسمى راحة المؤيد وهو المؤيد أحمد بن غنم بن قاسم بن غانم وهي قديمة بنتها الأشراف.
فصل
قال ابن المجاور: رأيت في المنام ليلة الخميس غرة رمضان سنة عشرين وستمائة كأني أقرأ كتابة على الحجر منقوش وكان الحجر بني في جملة أحجار محراب الجامع وإذا فيه مكتوب: إنّ الراحة والحوى بناء العجم. حدثني عبد الله بن محمد الراحي بزبيد سنة تسع عشرة وستمائة إنّه وجد على باب الراحة مكتوب: رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين. فخرج من المدينة هذه غشية يوم الجمعة ألف جرير يتبعها ألف بعير عليها ألف عذراء واصبح صباح يوم السبت فلا يدري أسماء رفعتهم أم أرض بلعتهم ولا علم لهم خبر، فاعتبروا يا أولي الأبصار ووجدنا أيضاً سطر مكتوب: بدلنا حمل دره بحمل بر وما مسنا ضر والله المستعان. ووجد مكتوب أيضاً في مدينة أبي سيار من أعمال حران: طلبنا البر بالدر فما وجدناه. وفي المدينة ثلاثمائة وستين بئراً على كل بئر صخرة عليها مكتوب: لا اله إلا الله موسى كليم الله، مع التالي لها: كلهن ينبشن وتحفر بيدك تشرب الماء. وإلى هجر أربع فراسخ. ومن هنا إلى حران يعرف بالدرب. ومن هذه الحدود إلى ربيد يسمون أهلها الشمة لأن هذه الأعمال تسمى في زبيد الشام وتسمى الساعد. وليل هذه الأعمال طيب ونهارها كرب فيقال: حرض ليلها طابة ونهارها مصلابة والله اعلم.
صفة زواج أهل هذه الأعمال
من يوم تدرك البنت إلى يوم تعرس لم يمكنوها من النتف بل تطول الشعرة مع طول الأيام وتربيتها إلى أن تضفرها دبوقة، ويقال إنّه يدهن ويسرح ويغسل بالسدر والطين أي الشعرة. فإذا كان ليلة عرسها ضفرت شعرتها دبوقتان وتشد كل دبوقة منهما في إحدى فخذيها وتجلى على زوجها. فإذا خلا بها وقعد منها مقعد الرجل مع المرأة فحينئذ يمسك الرجل تلك الدبوقتين ولا يزال يمدهما إلى أن يقلعهما من الأصل فإذا قلعهما استفضها بعد ذلك. فإذا أصبحت من الغد يزورونها قرابتها ومع كل واحدة منهن صحن زبد فيقولون لها: كيف حالك مع الرفة فتقول: بخير كبياع الدبية. وتداوي الموضع بالزبد ليرد عنها الألم لأنه يقلع الشعر مع الجلد وهذا زي القوم. وإلى الهاية ثمانية فراسخ، ومنها يجلب الزنجيل الطرى. وإلى المحالب فرسخين، وهي أرض عنترة العبسي وقومه ولها واد يسمى متور. ذكر هبت الإمام أبي موسى
الأمين بالله هذه الأعمال. حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى المهجمي قال: لما كثرت الأشراف بأرض الحجاز خرج منهم قوم إلى العراق في خلافة الإمام أبي موسى محمد الأمين بالله أمير المؤمنين ابن هارون الرشيد واستوهبوا منه أرض يقيمون فيها ويأكلونها فأقطعهم من مكة إلى الهلية طولا ومن صعدة إلى ساحل البر عرضا. فبقيت هذه الأعمال في أيدي القوم وهم في عيش هنئ يأتيهم رزقهم رغدا من كل جهة. وبقى يحيى بأساميهم إلى سنة خمس عشرة وستمائة، فضعفت القوم ودخلت عليهم يد الغزو فخرجوا من البلاد وخرجت البلاد من أيديهم وصارت في حوز الغز وفي قبضتهم. وأحد من تولى بهم من القوم الشريف المؤيد بن أحمد بن قاسم بن غانم وانقرضوا ولم يبق لهم في البلاد خبر، كم قيل:
عنا العقيق وأقوى منه معهده ... وحال ما فيه عما كنت اعهده
فما الوقوف بربع لا محاسنه ... نجلى ولا يومه يرجى ولا غده
من المحالب إلى صعدة