اسم الکتاب : النفحة المسكية فى الرحلة المكية المؤلف : السُّوَيْدي الجزء : 1 صفحة : 72
يا عبد الله! أما قرأت العقائد حيث ذكروا أن الشبع والدفء يخلقهما الله عند الأكل واللبس لأنهما يدفعان الجوع والبرد، يمكن أن يشبع الإنسان بلا أكل، ويدفأ بلا لبس، لأن الله هو الفاعل لذلك. فنمت على هذه العقيدة، فرأيت كأن قائلا يقول لي: اقرأ ما على طوقك، فنظرت إلى طوقي فلم أستطع ذلك، فقلت: إني لم أستطع ذلك، فاقرأ أنت ذلك، فقال: مكتوب على طوقك هذه براءة من العزيز الجبار لعبد الله من البرد والحر والنار! فانتبهت وأنا غرقان من شدة الحر. ومن فضله تعالى ما وجدت بردا ولا حرّا مع شدة البرد والحر في تلك السنة، وأنا أرجو من الله أن لا أجد ألما يوم القيامة.
ومما وقع لي أيام الطلب في الابتداء أني ما حفظت الأوجه الخمسة في «لا حول ولا قوة» ، فنمت فرأيت رجلا يلقنني إياها، (6 ب) فانتبهت وأنا أحفظها على الإتقان، وكنت إذ ذاك أقرأ الأجرومية «1» وشرحها. ومما وقع لي أيام حفظي لألفية ابن مالك المسماة بالخلاصة، «2» أني وظفت على نفسي كل يوم «3» حفظ خمسة أبيات، فكنت قبيل المغرب أنظر في الكتاب مرّة واحدة وأطبقه وما في حفظي من وظيفتي شطر بيت، فإذا أصبحت وجدتني أحفظ الأبيات الخمسة. والحاصل أني نلت في الطلب نهاية التعب، وغاية النصب، مع عدم المساعد والمعين والناصر والظهير، حتى حصلت على أكثر الفنون من سائر العلوم، شرعية وعقلية، أصولية وفقهية، ولا سيما العلوم العربية. وبرحلتي إلى الموصل كمّلت جميع الفنون سوى الرّمل والزيج «4» والسحر.
اسم الکتاب : النفحة المسكية فى الرحلة المكية المؤلف : السُّوَيْدي الجزء : 1 صفحة : 72