اسم الکتاب : النفحة المسكية فى الرحلة المكية المؤلف : السُّوَيْدي الجزء : 1 صفحة : 202
الحوارة «1» ، وفي ثمارها ومائها وسائر أقواتها من البركة مما لا يخفى على الفطن. قلت:
فو الله إني رأيت نهرها وهو صغير جدا بحيث لو أراد أدنى الناس قطعة لقطعه، وهو يزيد على كفاية حلب مع ما فيها من كثرة البساتين والقساطل والخانات والبرك والأحواض، بحيث لو شاهد أحد ذلك لاعتقد أن دجلة تعجز عنه. ورأيت كرومها وأشجار التين والزيتون والفستق واللوز تعيش بلا ماء، كذلك البطيخ الأخضر والأصفر. ورأيتهم يبذرون في ترابها وهو جاف غاية الجفاف فينبت، وما ذلك إلّا لطيب تربتها، الناشىء جميع ذلك من دعوة سيدنا إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام- قال ابن العديم «2» في تاريخ حلب:
كان فيها مقام إبراهيم الخليل واستوطنها، وكانت له، ثم أمر بالمهاجرة إلى الأرض المقدسة، فخرج عنها، فلما بعد عنها ميلا نزل وصلى هناك، وهو إلى الآن يعرف ذلك المكان بمقام (108 ب) إبراهيم الخليل، قبل حلب، فلما أراد الرحيل التفت إلى مكان استيطانه كالحزين الباكي لفراقها، ثم رفع يديه وقال: اللهم طيب ثراها وهواءها وحببها لأبنائها، فاستجاب الله دعاءه فيها، فصار كل من أقام في بقعة حلب ولو مدة يسيرة أحبها، وإذا فارقها التفت وبكى، انتهى. قلت: ومن نعم الله تعالي أني أحببتها حبا يوازي حب وطني، ولما فارقتها تأسفت عليها وحزنت، ولما بعدت عنها نحو ميل التفت إليها متباكيا اقتداء بالسيد إبراهيم الخليل. أما قلعتها فهي على تل عال، وهو الذي (كان) «3» يسكن فيه إبراهيم الخليل، وله فيها مقامان، أعلى بالمسجد الجامع، وهو الموضع الذي كان يحلب فيه الغنم، وموضع أسفل. وفي الجامع أيضا رأس يحيى بن زكريا موضوع في جرن. وقد زرت جميع ذلك
اسم الکتاب : النفحة المسكية فى الرحلة المكية المؤلف : السُّوَيْدي الجزء : 1 صفحة : 202