اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 89
وأكثر أشجارها الخلنج وأكثر أموالهم العسل والوبر، ولهم سوائم كثيرة من البقر والغنم ومزارع واسعة، وطائفة منهما يحرقون موتاهم وأخرى تدفنها، وإذا أدركت الجارية عندهم لم يكن لأبيها عليها حكم بل تختار لنفسها من شاءت من الرجال وتصنع ما أحبت؛ وهم أصحاب جمم ولهم قلانس يشدونها على رؤوسهم، ولباسهم القمص والقواطن والجباب، ولهم مزارق وأترسة وقسي ودروع، وبرطاس مدينة متصلة ببلاد الروس، وكان لأهل برطاس لسان غير لسان الروس وغير لسان الخزر، وكانوا مسلمين ولهم مساجد وجوامع، وأخبر بعضهم ممن كان يخطب لهم ويصلي بهم أن عدد المسلمين فيها كان ينتهي عشرين ألفاً وأن الليل يكون عندهم في وقت ما من السنة يعدل ما يسير المرء فرسخين وأن مساكنهم خلت بتغلب الروس على مدينتهم وأجلوهم عنها فشتتوا في البلاد.
برطانية
جزيرة توازي حد الأندلس الأقصى وهي مستطيلة من القبلة إلى الجوف طولها ثمانمائة ميل وعرضها مائة ويتصل حدها ببلد الصقالبة، وهي طيبة الهواء معتدلة الحر كثيرة الثمرات والخيرات وعند أهلها حكمة وفلسفة وبصر بحد المنطق، وهي من ممالك افرنجة وبأيدي ملوكها، وبجوفي برطانية في البحر المحيط الجزائر المعروفة بجزائر أرطاوس وهي ثلاث وثلاثون جزيرة يسكن المجوس الأردمانيون [1] في اثنتي عشرة منها وباقيها خالية لفساد هوائها. بردى (2)
نهر يقال له بالفارسية بهردان وهو نهر دمشق ينبعث من جبالها فيجتازها فيقسمها ويشق غوطة دمشق ثم يصب في البحر [3] ، وإياه عنى حسان في قصيدته التي يمدح فيها آل جفنة، يقول فيها [4] :
لله در عصابة نادمتهم ... يوماً بجلق في الزمان الأول
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
برونة (5)
هي مدينة من مدن انقبردية وهي مبنية بالصخر الجليل بناء متقناً يشبه بنيان طركونة ومبانيها كلها حسنة شريفة، وفيها دار ملعب عجيب البنيان واسع الفناء، وهي مدينة واسعة الأحواز كثيرة الحصون سابغة النعم، وهي على [6] نهر يصب في بحر بناحية على يومين منها، ومن برونة إلى حصن غاردة [7] عشرون ميلاً وهو معقل حصين إلى أبعد غاية.
البركان (8)
هو اسم الاطمة التي يخرج منها النار كالتي بجزيرة صقلية، وهو بركان عظيم لا يعلم في العالم أشنع منظراً منه ولا أغرب خبراً وهو في جزيرتين شمالاً من مدينة بلرم، وإذا هبت الريح الجوفية سمع لها دوي هائل كالرعد القاصف فتخرج النار منها وإنما تظهر بالليل ناراً حمراء ذات ألسن تصعد في الجو، وكان برفريوس [9] الفيلسوف قد شخص من مدينة صور إلى صقلية لينظر إلى البركان فيعاين فعل الطبيعة هنالك ويخبر عنه وعن العلة فيه بقول واضح فمات بها وقبره معروف، وقبر جالينوس أيضاً هنالك معلوم، وكان شخص من مدينة رومة يريد الشام ليلقى أصحاب عيسى عليه السلام. قالوا: وفي ملك بطليموس أحد ملوك اليونانيين وصاحب علم الفلك وواضع المجسطي [10] ظهرت جزيرة البركان بصقلية. وقالوا أيضاً: إذا صرت من قطانية إلى كذا ففي المغرب منه جبل النار وهو جبل عظيم منيف كثير الثمار وتقطع منه عدد السفن من خشب الشرع والأرجل الضخمة وغير ذلك، ويذكر أهل صقلية [11] أنه انفجر من جبل النار نهر جار فجرى أياماً يراه الناس وبقي أثره هنالك إلى الأبد متحرقاً [1] في الأصلين: الأرمانيون؛ والاردمانيون او النورمانديون هم أهل الشمال.
(2) انظر ياقوت: ومعجم ما استعجم 1: 240. [3] هذا وهم من المؤلف، فإن بردى يصب في بحيرة المرج. [4] ديوان حسان: 74 (تحقيق الدكتور وليد عرفات) .
(5) (Verona) ، والانقبردية (وفي ع: انقبردنة) هي منطثة لمبارديا بإيطاليا. [6] في الأصلين: بحر. [7] ص ع: غادرة، وستأتي غاردة (Garda) في الغين.
(8) نظر عن البركان وجزيرة البركان، نزهة المشتاق: 176، والمكتبة الصقلية: 86، 142، 145، 149، ويبدو أن المؤلف ينقل نقلاً مباشراً عن البكري (ح) : 214. [9] هو فرفوريوس الصوري صاحب إياغوجي او المدخل إلى علم المنطق. [10] في هذا وهم، لأن صاحب المجسطي هو غير بطليموس الملك. [11] قد سبق ذكر هذا في مادة ((ألياج)) .
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 89