اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 87
ولها ربض وعليها سور منيع، والدخول إليها والخروج عنها إلى الأندلس على باب الجبل المسمى بهيكل [1] الزهرة ويسكن برشلونة ملك افرنجة وهي دار ملكهم وله مراكب تسافر وتغزو وللافرنج شوكة لا تطاق، وبرشلونة كثيرة الحنطة والحبوب والعسل واليهود بها يعدلون النصارى كثرة وربضها خارج عنها، وهي في القسم الثالث من الأندلس وهي مسورة كبيرة [2] .
برزة
مدينة بالشام من عمل الغوطة كان من أهلها رجل صالح وكان أعور، قال الراوي: قلت له: ما سبب ذهاب عينك؟ فقال: أمر عجيب، وامتنع أن يخبرني شهوراً، ثم حدثني قال: جاءني وأنا شاب رجلان فدفعا إلي ثمن غرارة قمح وقالا: اعجن لنا كل يوم ربعاً وأنفق لنا خمسة دراهم في لحم وشيء من الحلوى، فأقاما عندي جمعة ثم قالا لي: في قرية برزة واد، قلت: نعم، فخرجا إليه نصف الليل وأخذاني معهما ونزلا إلى الوادي وكانت معهما دابة محملة فحطا عنها وأخرجا خمس مجامر وأوقدا فيها ناراً وجعلا فيها بخوراً كثيرا وأقبلا يعزمان والحيات تقبل إليهما من كل مكان فلا يعرضان إليها إلى أن جاءت حية نحو ذراع وعيناها تقدان مثل الدينار، فلما رأياها استبشرا وقالا: الحمد لله من أجلها جئنا من خراسان، ثم قبضا عليها ثم أدخلا في عينيها ميلاً واكتحلا به، فقلت لهما: اكحلاني كما اكتحلتما، فقالا: ما يصلح لك، فقلت: لا بد من ذلك، قالا: يا هذا ما لك فائدة فيها، فقلت: والله لا زايلتكا أو تكحلاني أو لأصرخن بالوادي حتى يخرج فيؤخذ كل ما معكما، فلما لم يريا لهما مني مخلصاً قالا: فنكحل عينك الواحدة، فكحلا عيني اليمنى، فحين وقع ذلك في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة انظر ما تحتها كما تؤدي المرآة، ثم قالا لي: سر معنا قليلا، فسرت معهما وهما يحدثاني حتى إذا بعدنا عن القرية كتفاني ثم أدخل أحدهما اصبعه في عيني فقلعها ورمى بها وتركاني ملقى ومضيا فكان آخر العهد بهما ولم أزل مكتفاً إلى الصبح حتى جاءني نفر من الناس فحلوني، فهذا ما كان من خبر عيني.
برذعة (3)
هي مدينة ارمينية، وقد تقدم ذكرها، وطول برذعة ثلاثة أميال في عرض مثلها وهي نزيهة حصينة ذات أنهار وأشجار ومياه كثيرة وهي أم بلاد الران [4] كلها، وهي مدينة كبيرة جداً وهي من أنزه البلاد بقعة وأوفرها نعمة وبها خصب زائد وكروم وبساتين وأشجار وعلى ثلاثة أميال موضع يسمى الأندراب مسيرة يوم في مثله جميعه بساتين مشتبكة وعمارات متصلة وفواكه دائمة وجنات كثيرة ومتاجر عظيمة، وبها من البندق والشاه بلوط ما يربي على ما في الشام كبراً وطيباً. ولبرذعة باب يعرف بباب الأكراد له سوق مقدار ثلاثة أميال وهي سوق عظيمة يجتمع الناس إليها في كل يوم أحد ويقصدون إليها من كل جهة ويبتاع فيها من صنوف الأمتعة وجميع المصنوعات الشيء الكثير.
وببرذعة مات يزيد بن مزيد، قالوا أهديت إلى يزيد هذا جارية حسناء فوافقته حين رفع يده من الطعام فواقعها فما سقط عنها [1] في الأصلين: بشكل، والتصويب عن نزهة المشتاق، وزاد فيها ((أن اسم الهيكل بالرومية (البرتبير)) ) . [2] زاد بروفنسال من مخطوطة للبكري النص التالي، وهو غير واد في الأصلين اللذين اعتمدتهما، كما أنه لم يرد في النسخ التي اعتمدها بروفنسال ولهذا أوردته في الهامش: وصاحب برشلونة اليوم راي منذ بن بلنقر بن بريل، وكان خرج يريد بيت المقدس سنة 446، فنزل في مدينة نربونة على رجل من كبراء أهلها، فتعشق امرأته وتعشقته، ثم تمادى في سفره حتى وصل بيت المقدس، ثم كر راجعاً حتى أتى نربونة، فنزل على ضيفه بها وليس إليه هم إلا امرأته، فحكم ذلك التعشق بينهما، واتفق معها على أن تعمل الحيلة في الهروب إليه من بلدها، فيزوجها من نفسه؛ فلما وصل غلى برشلونة أرسل إليها قوماً من اليهود في ذلك، ودخل صاحب طرطوشة في الأمر، فأوصلهم في الشواني غلى نربونة، فلم تتوجه لليهود الحيلة في أمرها، وأحس زوجها ببعض شأنها، وكان بها كلفاً فثقفها، فكان تثقيفه لها سبباً لمعونة أهلها على مرادها. فوصلت مع قوم منهم غلى برشلونة، فنزل راي منذ عن امرأته وتزوج النربونية، فلبست الأولى المسوح، وخرجت مع جماعة من أهل بيتها غلى رومة حتى أتت عظيمها وصاحب الدين بها، وهو الذي يسمونه البابه، فشكت إليه ما صنع زوجها، وأنه تركها بغير سبب، وهو أمر لا يحل في دينهم، وأنهم لا يجوز لهم فعله، وإنما حمله على ذلك عشقه لها، وشهد لها شهود قبلهم، فحرم البابه على صاحب برشلونة دخول الكنائس وأمر أن لا يدفن له ميت، وأن يتبرأ منه جميع من يعتقد النصرانية. فلما علم ذلك، علم أنه لا حيلة له معه، ولا بقاء في أفق يكون فيه لنصراني حكم؛ فبذل الأموال ودس مشاهير الأساقفة والقسيسين، وأوطأهم على الشخوص غلى البابه، وأن يشهدوا له أنه تقضى عن نسب المرأة التي ترك، فوجدها منه بقربى تحرمها عليه، وأن النربونية فرت من زوجها لذلك، لأنها كانت منه بنسب، وكان يكرهها على المقام معه. فنفذ القوم إلى البابه، وشهدوا للقومس ما أوصاهم عليه، فقبلهم، وأباح له دخول الكنائس ودفن من مات له وسائر ما حجر عليه.
(3) بردعه، بالدال المهملة وبالذال أيضاً؛ وبعض المادة التي أوردها المؤلف هنا عند الكرخي: 109 وياقوت (عن الكرخي) ، والفقرة الأولى في هذه المادة منقولة عن نزهة المشتاق: 265. [4] توفي يزيد سنة 285، وانظر الأغاني 18: 325 - 326، وابن خلكان 6: 327 - 329.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 87