اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 580
ترجمة نهاوند " وجدت كما هي " سميت بذلك لأنها لم توجد بعد الطوفان قرية فيها بقية سواها.
ونهاوند [1] مدينة جليلة على جبل ذات سور طين، ولها بساتين وجنات وفواكه ومتنزهات ومياهها كثيرة وفواكهها تحمل إلى العراق لطيبها وكبرها وبها جامعان أحدهما قديم والآخر محدث، وهي كثيرة الرساتيق والعمارات.
وفيها كان اجتماع الفرس لما لقيهم النعمان بن مقرن المزني سنة ثلاث وعشرين.
قال الهمداني: لم يوجد مما كان تحت الماء وقت الغرق من القرى قرية فيها بقية سوى نهاوند.
وكان عمر رضي الله عنه قال للهرمزان [2] : أما إذ فتني بنفسك فأشر علي، أبفارس أبدأ أو بالجبال: أذربيجان وأصبهان؟ قال: فارس الرأس، والجبال جناحان، فاقطع الجناحين فلا يتحرك الرأس، قال عمر رضي الله عنه: بل أقطع الرأس فلا يقوم جسد ولا جناح ولا رجل.
وكتب ابن كسرى إلى أهل الجبال: أصبهان وهمذان وقومس: إن العرب قد ألحوا علي. فاجتمعوا بنهاوند وتعاقدوا على غزو أمير العرب يعنون عمر رضي الله عنه، في بلاده، فكتب أهل الكوفة بذلك إلى عمر رضي الله عنه: فقام على المنبر فقال: أين المسلمون أين المهاجرون والأنصار فاجتمع الناس. فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: إن عظماء أهل الري وأهل أصبهان وأهل همذان وأهل نهاوند وأهل قومس وأهل حلوان، أمم مختلفة ألوانها وألسنتها وأديانها ومللها، وقد تعاقدوا على أن يخرجوا إخوانكم من بلادهم، وأن يغزوكم في بلادكم فأشيروا علي وأوجزوا ولا تطنبوا، فمنهم من صرف الأمر إليه وولاه ما تولى، ليمن نقيبته وخبرته، ومنهم من أشار بأن يتوجه إليهم بأهل الحرمين وأهل اليمن والشام حتى يلتقي الجمع الجمع، ومنهم من أشار بأن يكتب إلى أهل البصرة فليفترقوا ثلاث فرق: فرقة في ديارهم، وفرقة في أهل عهدهم، وتسير فرقة إلى إخوانهم بالكوفة، قال: هذا رأيي وكنت أحب أن أتابع عليه، لعمري لئن سرت بأهل الحرمين ونظر إلي الأعاجم لتنقضن الأرض وليمدنهم من لم يمدهم، وليقولن: أمير العرب إن قطعناه قطعنا أصل العرب.
فكتب [3] إلى النعمان بن مقرن وكان بكسكر، وكان قد كتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إنما مثلي ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون له كل يوم وتعطر، وأنا أذكرك الله تعالى إلا بعثتني في جيش إلى ثغر غازياً ولا تبعثي جابياً، فندب عمر رضي الله عنه أهل المدينة، فانتدب منهم جمع فوجههم إلى الكوفة وكتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن يستنفر ثلث أهل الكوفة فيسيروا إلى العجم بنهاوند فقد وليت عليهم النعمان بن مقرن، وكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه يستنفر ثلث أهل البصرة إلى نهاوند، وكتب إلى النعمان: إني وجهت جيشاً من أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الكوفة إلى نهاوند، وأنت على الناس ومعك في الجيش طليحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب فأحضرهما الناس وشاورهما في الحرب فإن حدث بك حدث فأمير الناس حذيفة، فإن قتل فجرير فإن قتل فالمغيرة بن شعبة.
وبعث عمر [4] رضي الله عنه بالكتاب مع السائب بن الأقرع بن عوف وقال له: إن سلم الله تعالى ذلك الجند فقد وليتك مغانمهم ومقاسمهم، فلا ترفعوا لي باطلاً ولا تمنعن أحداً حقه وإن هلك ذلك الجند فاذهب في الأرض فلا أرينك أبداً.
فسار جميعهم إلى نهاوند وسار النعمان فتوافوا بنهاوند وبها من الأعاجم ستون ألفاً عليهم ذو الفروة، وهو ذو الحاجب، وقد خندقوا وهالوا في الخندق تراباً قد نخلوه وبعث النعمان طليحة بن خويلد ليعلم علم القوم، فأبطأ حتى ساء ظن الناس به، فعلم علمهم ثم رجع، فلم يمر بجماعة إلا كبروا، فأنكر ذلك منهم، وقال: ما لكم تكبرون إذا رأيتموني؟ قالوا: ظننا أنك فعلت كفعلتك قال: لو لم يكن دين لحميت أن أجزر العرب هذه الأعاجم الطماطم وأخبر الناس بعدة القوم وكثرتهم فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وأقام النعمان أياماً حتى يستجم الناس أنفسهم وظهرهم، ثم [1] نزهة المشتاق: 204، وانظر ياقوت (نهاوند) ، وابن رسته: 166، والمقدسي: 393. [2] الطبري 1: 2600 - 2634 مع إيجاز واختيار. [3] انظر الطبري 1: 2596. [4] انظر الطبري 1: 2598.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 580