اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 562
ولم تزل [1] ذات إقلاع وحط، وهي مدينة حسنة، مقصد للسفن الواردة من المشرق والمغرب والأندلس وبلاد الروم وغيرها، وإليها تجلب البضائع الكثيرة بقناطير الأموال، وهي من القيروان على نحو مرحلتين، وهي نظيفة المنازل، وديارها حسنة وحماماتها جليلة، وبها خانات، وهي بهية المنظر داخلاً وخارجاً، وأهلها حسان الوجوه نظاف الثياب، وتعمل بها الثياب الرفيعة الجيدة ويتجهز بها إلى الآفاق، وشرب أهلها من المواجل، وآبارها غير عذبة، ويحيط بالمدينة سور مبني بالحجارة عليه بابا حديد لفق بعضه على بعض من غير خشب لا يدرى مثلهما في الصنعة والوثاقة، ولم يكن بها قبل جنات ولا بساتين ولا نخل ولا فاكهة إلا ما جلب إليها.
وبها قيل:
بنيت بأرجاء المغارب دار ... دانت لها الأقطار والأمصار
لاذت ببرد الماء لما أيقنت ... أن القلوب على الحسين حرار وكانت المهدية [2] مدينتين، المهدية يسكنها السلطان وجنوده، وزويلة يسكنها الناس. والمهدية كانت قاعدة البلاد الإفريقية وقطب مملكتها، وتغلب عليها طاغية صقلية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وصاحبها يومئذ الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي، وانفصل عنها ومضى إلى بجاية ثم إلى قلعة بني حماد، فلم يجد عند صاحبها ابن عمه نصرة، فاستمر سيره حتى انتهى إلى صاحب المغرب حينئذ، عبد المؤمن بن علي، فحرضه على الطلوع إلى إفريقية، وحضه على استنقاذ المهدية من يد العدو، فهو كان سبب تحركه إلى إفريقية، فوصل إليها ونزل على المهدية بجموعه، وحصر العدو الذي بها إلى أن صالحه على الخروج عنها إلى صقلية فكان ذلك، وصارت المهدية للمسلمين من حينئذ وفي الخبر طول.
وقال أبو عبد الله الحنفي يعرض بأهل المهدية:
إذا حل بالمهدية الضيف نازلاً ... وسام القرى زفت إليه الكوامل
صحاف حكت من أم موسى فؤادها ... يغالط فيها حسه ويشاغل
إذا حسروا عنها المناديل أنشدت ... " وما السيف إلا غمده والحمائل " مهران[3] :
هو نهر السند الأعظم يخرج من جبال شقنان، ويقال إنه يخرج من جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون، وتمده أنهار كثيرة وعيون غزيرة فيقطع أرض الهند والسند، ويظهر على توافره بناحية المولتان، ثم يمر على المنصورة حتى يقع في البحر الشرقي. وقال الكندي: مهران تنشق منه أنهار الهند كلها.
وهو يأتي [4] من منبعه حتى إذا وصل إلى مدينة قالري [5] التي هي في غربي النهر وبينه وبين المنصورة مرحلة، انقسم قسمين، وصار معظمه إلى المنصورة، ومد الذراع الثاني منه آخذاً مع الشمال إلى ناحية شروشان [6] ، ثم يأخذ راجعاً في جهة المغرب إلى أن يتصل بصاحبه وهو القسم الثاني من النهر، وذلك أسفل مدينة المنصورة، وعلى نحو اثني عشر ميلاً منها، فيصيران واحداً، ويمر إلى البحر.
ومن الناس [7] من قال إن مخرج هذا النهر ومخرج النيل واحد.
وذكر لغسان بن عباد أن في هذا النهر سمكة تصاد ويطين رأسها وجميع بدنها إلى المواضع التي يخرج منها الثفل ثم يجعل ما لم يطين منها على الجمر، ويمسكها ممسك حتى ينشوي منها [1] الإدريسي (د/ ب) : 107/ 78. [2] عاد إلى النقل عن الإدريسي؛ ولكنه استكمل المعلومات التاريخية من مصدر آخر. [3] انظر ابن رسته: 89، وابن خرداذبه: 173، والتنبيه والإشراف: 54 - 56، والكرخي: 107، وابن حوقل: 282، وياقوت (مهران) ، وآثار البلاد: 95. [4] عن الإدريسي (ق) : 30 (OG: 168) . [5] ص ع: ماكري. [6] ق: شروسان؛ OG: سدوسان. [7] هذا القول ينسب غلى الجاحظ؛ وقد غمزه البيروني في ((تحقيق ما للهند)) فقال: ((حتى ظن الجاحظ بسلامة قلبه وبعده عن معرفة مجاري الأنهار وصور البحر أن نهر ((مهران)) شعبة من النيل.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 562