اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 554
ورفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة، ثم زادت بمن استقر بها من النصارى وغيرهم من النوبة ثلاثة آلاف دينار، فجعل عمرو يبحث عن الأموال ويضمها إلى بيت المال، فذكر له أن عند عظيم الصعيد مالاً كثيراً، فبعث إليه فيه، فقال له: ما عندي مال، فسجنه، وسأل عمرو رضي الله عنه من كان يدخل إليه: هل يسمعونه يذكر أحداً؟ فقالوا له: سمعناه يكثر ذكر راهب الطور، فبعث عمرو رضي الله عنه فأتى بخاتم المسجون، وكتب كتاباً على لسانه إلى ذلك الراهب، فأتي بقلة من نحاس مختومة برصاص، فإذا فيها كتاب فيه: يا بني إذا أردتم مالكم فاحفروا تحت الفسقية، وهي السقاية، فحفروا فاستخرجوا خمسين أردباً دنانير، والأردب نحو قنطار ونصف.
ثم أمر عمرو [1] رضي الله عنه المسلمين ببناء دور يسكنونها بالفسطاط، وهي مدينة مصر اليوم، وإنما سميت مدينة مصر الفسطاط لأن عمرو بن العاصي رضي الله عنه حين دخل مصر وضرب فسطاطه بذلك الموضع فلما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم، أمر بنزع الفسطاط، فإذا فيه حمام قد أفرخ، فقال عمرو رضي الله عنه: لقد تحرم هذا منا بمحرم، فأمر بالفسطاط فأقر مكانه وأوصى عليه، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية بعد فتحها قال الناس: أين ننزل؟ فقيل: الفسطاط، لفسطاط عمرو الذي تركه في المنزل بمصر. ثم بدأ عمرو بن العاصي رضي الله عنه ببناء المسجد، وكان في موضعه حدائق وأعناب فقطعها، ووضعوا أيديهم في البناء فلم يزل عمرو ومن حضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قياماً حتى وضعت القبلة، فلما أتمه اتخذ فيه منبراً، فكان يخطب عليه، فوصل ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عمرو بن العاصي: أما بعد: فإنه بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى فيه على رقاب المسلمين أوما يسعك أن تقوم قائماً والناس من تحتك، فعزمت عليك لما كسرته. ثم اختط عمرو داره التي هي اليوم عند باب المسجد، بينهما الطريق، وكذلك اختط جميع من أراد سكنى مصر من المسلمين داراً لنفسه، واختط الزبير رضي الله عنه داراً، وجعل فيها السلم الذي صعد عليه إلى الحصن المتقدم الذكر، فلما ولي عبد الملك بن مروان اغتصبها من آل الزبير واصطنعها لنفسه، فلما ولي أبو جعفر المنصور ردها على هشام بن عروة من بني الزبير.
وحكى ابن عساكر أن رجلاً ذكر أنه لقي الياس عليه السلام وسأله: كم الأبدال؟ فقال: ستون خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة، ورجل بإنطاكية، وسبعة في سائر أمصار العرب، بهم يسقون الغيث وبهم ينصرون على العدو، وبهم يقيم الله أمر الدنيا، فإذا أراد أن يهلكها أماتهم أجمعين. المصيصة[2] :
من ثغور الشام بالقرب من أنطاكية، والمصيصة مدينتان بينهما نهر عظيم يقال له جيحان، وهما على ضفتيه وبينهما قنطرة من حجارة، واسم الواحدة المصيصة والأخرى كفربيا، ولها بساتين وزروع، وجيحان يخرج من بلاد الروم حتى يصل المصيصة، وبين المصيصة والبحر اثنا عشر ميلاً. والمصيصة[3] مكسورة الميم، قال الأصمعي: ولا يقال غير ذلك.
وفي سنة [4] أربعين ومائة كتب أبو جعفر المنصور إلى صالح بن علي يأمره ببناء المصيصة، فوجه صالح جبريل بن يحيى فرابط بها حتى بناها وفرغ منها سنة إحدى وأربعين ومائة، وأنزلها الناس.
وذكروا أنه من أطال الصوم بالمصيصة هاجت به المرة السوداء، وقد يجن.
وباب المصيصة الذي يلي البحر لا يغير البحر صفاء حديده ولا يولد فيه صدأ وكأنه قد جلي بالأمس، وتعبر الجسر بالمصيصة فتسير في صحراء ملساء خمسة فراسخ إلى أذنة.
المضيق [5] :
بين بلاد الخانوقة وقرقيسيا، بها كان مسكن جذيمة في زمان ملوك الطوائف وهو الذي قتلته الزبا بنت عمرو في الخبر المشهور.
معتب [6] :
عند جزيرة سقطرة من اليمن وهو مغاص اللؤلؤ، [1] ابن عبد الحكم: 91. [2] نزهة المشتاق: 195، وانظر الكرخي: 47، وابن حوقل: 167، وياقوت (المصيصة) وأثار البلاد: 564. [3] انظر معجم ما استعجم 4: 1235. [4] انظر تاريخ الموصل: 173. [5] انظر ياقوت (المضيق) . [6] البكري (مخ) : 68.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 554