اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 531
وهي عامرة بالأسواق والتجاريات، وهي صغيرة في قدرها، وبها مصانع، وأهلها متنافسون فيما بينهم، ولهم اهتمام بالأمور وصيانة لما بين أيديهم من أموالهم وشح مطاع، ولهم مزارع كثيرة وعمارات جليلة وغلاة رائجة، وهي ما بين واسط والبصرة.
وسميت [1] بالمذار لفساد تربتها، والمذار: الفساد في الرائحة.
وكانت وقعة [2] المذار في صفر سنة اثنتي عشرة على يد خالد بن الوليد، في خلافة الصديق رضي الله عنهما، خرج إليهم خالد في تعبئته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، ودعا قارن إلى البراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى بن النباش، فابتدراه فسبقه إليه معقل فقتله، وقتلت فارس مقتلة عظيمة، وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت، وقسم الفيء ونفل من الأخماس ما نفل في أهل البلاد، وبعث بقيتها إلى أبي بكر رضي الله عنه، ودفع إلى أبيض الركبان سلب قارن وقيمته مائة ألف، وإلى عاصم وعدي سلب النوشجان وقباذ، وقتل ليلة المذار ثلاثون ألفاً سوى من غرق، ولولا المياه لأتي على آخرهم، ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة، ولم يلق خالد رضي الله عنه أحداً بعد هرمز إلا كانت الوقيعة الأخيرة أعظم من التي قبلها، ومن ذلك السبي كان يسار أبو الحسن البصري، وكان نصرانياً.
المروة [3] :
جبل بمكة معروف، والصفا جبل آخر بازائه، وبينهما قديد ينحرف عنهما شيئاً يسيراً، والمشلل هو الجبل الذي ينحدر منه إلى قديد، وعلى المشلل كانت مناة، فكان من أهل بها من المشركين، وهم الأوس والخزرج يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة، ثم استمروا على ذلك في الإسلام، فأنزل الله تعالى: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " كذا روي عن عائشة رضي الله عنها. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: لما ذكر الله عز وجل الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل الآية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في طوافه بينهما يمشي حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، وكان بدء هذا السعي أن إبراهيم عليه السلام لما أتى بهاجر إلى مكة وانتهى بها وابنها معها طفل صغير، وليس معهما إلا مزود تمر وقربة ماء، فأنزلهما هناك وانصرف عنهما، تبعته فقالت: يا إبراهيم آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، فمكثت حتى فني الزاد والماء وانقطع لبنها، وجعل الصبي يتلمظ، فذهبت إلى الصفا فوقفت عليه، هل ترى من مغيث، فلم تر أحداً، فذهبت تريد المروة، فلما صارت في بطن الوادي سعت حتى خرجت منه، فأتت المروة فوقفت عليها، هل ترى أحداً، وترددت بينهما سبعة أشواط، فصارت سنة.
وذو المروة [4] من أعمال المدينة، قرى واسعة لجهينة.
مر الظهران [5] :
بفتح أوله وتشديد ثانيه وبالظاء المعجمة، موضع بينه وبين البيت ستة عشر ميلاً، ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ترك طواف وداع البيت من مر الظهران، وكانت منازل عك مر الظهران، سميت مر لمرارة مياهها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل المسيل الذي من أدنى مر الظهران حتى يهبط من الصفراوات، وليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إلا مرمى حجر، وهناك نزل عند صلح قريش.
وبمر الظهران حصن كبير يسمى البوقة، وفيه كان مسكن أمير مكة شكر بن الحسن بن علي بن جعفر الحسني، وهناك ضياع كثيرة لأهل مكة ولبني جمح وبني مخزوم وغيرهم.
وببطن [6] مر تخزعت خزاعة عن إخوتها فبقيت بمكة وسارت إخوتها إلى الشام أيام سيل العرم، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه [7] :
ولما نزلنا بطن مر تخزعت ... خزاعة عنا في الحلول الكراكر [1] معجم ما استعجم 4: 1203. [2] الطبري 1: 2026. [3] معجم ما استعجم 4: 1217. [4] المصدر السابق: 1218. [5] المصدر السابق: 1212، ونقل عن الروض صاحب صبح الأعشى 4: 260 وكذلك الناصري في رحلته، وتوقف عند قوله: ((وسمي مر لمرارة مائه)) فقال: ((ما رأينا به نحن إلا المياه العذبة الدافقة، فإن كان به غيرها من المياه فمسلم له قوله ... )) ، والمؤلف يتابع البكري الذي ينسب القول بمرارة الماء إلى كثير عزة، وهو محض تعليل للاسم لا غير. [6] عاد إلى النقل عن معجم البكري. [7] نسبه ياقوت (مر) لعون بن أيوب الأنصاري الخزرجي.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 531