اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 499
أشار على ابن الزبير بهدمها وسقط في أيديهم، فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم وضع البناء على ذلك الأساس، وكان البناة يبنون من وراء الستر، والناس يطوفون من خارج، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان ابن الزبير حين هدم البيت جعل الركن في ديباجة في تابوت وأقفل عليه ووضعه عند دار الندوة، ووضع ما كان في الكعبة من حلية في خزانة الكعبة في دار شيبة بن عثمان، فلما بلغ البنيان موضع الركن أمر ابنه عباد بن عبد الله وجبير بن شيبة بن عثمان أن يجعلوا الركن في الثوب وقال: إني إذا دخلت في صلاة الظهر فاحملوه واجعلوه في موضعه، وأنا أطول الصلاة، فإذا فرغتم فكبروا حتى أخفف صلاتي، وذلك في حر شديد، فلما أقيمت الصلاة وصلى ابن الزبير ركعة خرج عباد بالركن من دار الندوة وهو يحمله، ومعه جبير بن شيبة، ودار الندوة يومئذ قريب من الكعبة، فخرقا به الصفوف حتى وضعه عباد في موضعه وأعانه عليه جبير بن شيبة، ثم كبرا، وخفف ابن الزبير صلاته، وتسامع الناس بذلك، وغضب رجال من قريش حين لم يحضرهم ابن الزبير لذلك وقالوا: والله لقد تنافست قريش في رفعه حين بنيت الكعبة حتى حكموا فيه أول من يدخل عليهم، فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله في ردائه ودعا من كل قبيلة من قريش رجلاً واحداً، فأخذوا بأركان الثوب ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه، وكان الركن قد تصدع ثلاث فرق وتشظت منه شظية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك دهراً طويلاً، فشده ابن الزبير بالفضة إلا تلك الشظية من أعلاه، فإن موضعها بين [1] في أعلى الركن، وطول الركن ذراع.
وكانت الكعبة [2] يوم هدمها ابن الزبير ثمان عشرة ذراعاً فجعلها سبعاً وعشرين ذراعاً ثم خلقها من داخلها وخارجها وأعلاها وأسفلها وكساها القباطي وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج فليعتمر من التنعيم ومن قدر أن ينحر بدنة فليفعل، ومن لم يقدر على بدنة فليذبح شاة، وخرج الناس معه مشاة حتى اعتمروا من التنعيم شكراً لله عز وجل، قالوا: فلم ير يوم كان أكثر عتيقاً وعتيقة ولا أكثر بدنة منحورة ولا شاة مذبوحة ولا صدقة مبذولة من ذلك اليوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة، فلما طاف بالكعبة استلم الأركان الأربعة جميعاً وقال: إنما كان ترك استلام هذين الركنين الشامي والغربي لأن البيت لم يكن على قواعد إبراهيم، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير، إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعاً، وأبواب البيت لاصقة بالأرض حتى قتل ابن الزبير ودخل الحجاج مكة، فكتب إليه عبد الملك بن مروان: إن ابن الزبير قد كان زاد في بيت الله تعالى ما ليس منه وأحدث باباً آخر، فكتب إليه الحجاج يستأذنه في أن يرده على ما كان عليه، فأمره بذلك، فهدم الحجاج منها ست أذرع وشبراً مما يلي الحجر، وبناها على أساس قريش، وسد الباب الذي في ظهرها، وترك سائرها فكل شيء فيها اليوم بناه ابن الزبير إلا الجدار الذي في الحجر فإنه بناه الحجاج. والمرتقى إلى الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم أربع أذرع وشبر والدرجة التي في جوف الكعبة اليوم والبابان اللذان عليها هما من عمل الحجاج أيضاً.
وآخر من زاد في الكعبة المهدي أمير المؤمنين سنة أربع وستين ومائة، فهو على ذلك إلى الآن. كعبر[3] :
هي دار مملكة الحبشة، وسمة ملكهم النجاشي. وفيها الذي كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم من ولد حبشي بن كوش بن حام. وللحبشة مدن كثيرة وعمائر واسعة تتصل بالبحر الحبشي، وساحل الحبشة مقابل لبلاد اليمن، وهي من شاطئ البحر الغربي، وأقرب عرض البحر هناك ثلاثة أيام، وهو ساحل زبيد من أرض اليمن، ومن هذا الموضع عبرت الحبشة البحر في أيام ذي نواس، وهو صاحب الأخدود، وبين هذين الساحلين جزيرة يقال لها جزيرة العقل نذكرها في موضعها [4] .
كفور الشام:
أي قراه، وفي الحديث: " يخرجكم الروم من الشام كفراً كفراً "، مثل كفر مروان وكفر توثا وكفر طاب وكفر تعقاب [5] وغيرها، وإنما هي قرى تنسب إلى رجال.
كفر توثا [6] :
من كور نصيبين من ديار ربيعة، فتحها عياض بن غنم، ولها حصن قديم، وهي مدينة سورها لبن وبها منبر، وبها نهر خارج عن المدينة وآبار عذبة. [1] ص ع: بني. [2] الأزرقي 1: 144 - 145. [3] ذكرها المسعودي، المروج 2: 34 وعنه معظم ما أورده المؤلف، وكعبر هذه هي (Ankober) وانظر البكري (مخ) : 59، وابن الوردي 36 - 37. [4] راجع ما ورد في ((جزيرة العقل)) . [5] ص ع: معقاب؛ وقد ذكره البكري في معجمه 4: 1131، ولم يحدد موضعه. [6] قارن بالكرخي: 53، وابن حوقل: 200، وياقوت (كفرتوثا) ، وتقويم البلدان: 284.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 499